81

وزاد عمر على الوراثة الدينية أنه كان صاحب فراسة وزكانة،

22

وكان يستطلع الرؤى والمنامات، ويتصل بالغيب، ويبصر على البعد كما سلف في حديث سارية حين ناداه: يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! وبينهما مسيرة أيام.

وكانت العوارض تمر به فتعطفه إلى الإسلام تارة من طريق الرحمة، وتارة من طريق العدل والنخوة، فيخشع ويندم ، ويراجع عناده وكبرياءه؛ إذ ليس أبغض إلى الرجل الأبي المنصف من أن يحارب أناسا لا يحاربونه، ويلج في إيذاء قوم لا يقدرون على أذاه.

فإذا تفتحت هذه الأبواب جميعا بين عمر والإسلام، فباب واحد موصد لن يحجبه طويلا عن هذا الدين، ولن يحجب هذا الدين طويلا عنه.

وقد تفتحت في يوم من الأيام.

تفتحت كلها فدخلها دخول العاصفة من جميع الأبواب، وأسلم الجاهلي الشريف، كما كان ينبغي أن يسلم، وكما كان يقينا سيسلم في مناسبة من المناسبات.

فإذا العالم الإنساني قد تفتحت فيه صفحة جديدة: صفحة يقرأ فيها القارئ قبل كل شيء ماذا يصنع الإسلام بالنفوس، ويعلم منها قبل كل علم أن هذا الدين كان قدرة بانية منشئة من لدن المقادير التي تسيطر على هذا الوجود، كان قدرة تلابس الضعيف فيقوى، وتلابس القوي فتنمي قوته، وتجري به في وجهته، وكان يدا خالقة حاذقة تأخذ الحجارة المبعثرة في التيه، فإذا هي صرح له أساس وأركان، وفيه مأوى للضمائر والأذهان. جاهلي كسبه الإسلام فكسبه العالم الإنساني كله إلى آخر الزمان ... ونفس ضائعة ردت إلى صاحبها فعرف منها ما كان ينكر، واطلع منها على ما كان يجهل، ونفع بها أمته، وأمما لا تحصى، وصنع بها الإسلام أعظم وأفخم ما تصنعه قدرة بناء وإنشاء، حيثما كانت قدرة بناء وإنشاء.

ونظرت الأمم فرأت كيف تعلو النفس الإنسانية حتى يحار فيها الإنسان وهو ريشة في مهب النوازع والأشجان.

23

Halaman tidak diketahui