الخلاف، كتب إليه أبو عبيدة من دمشق أن عمرو بن معد يكرب، وأبا جندل وضرارا وجماعة من علية القوم والوجوه، شربوا الخمر وسئلوا فأجابوا: «إننا خيرنا فاخترنا. قال:
فهل أنتم منتهون
ولم يعزم»،
14
وكأن أبا عبيدة تحرج من عقاب هؤلاء العلية، فرفع أمرهم إلى الخليفة يستفتيه، فلم يلبث البريد أن بلغ المدينة حتى عاد إليه يأمره أن يدعوهم على رءوس الأشهاد، ويسألهم سؤالا لا يزيد عليه ولا ينقص منه: أحلال الخمر أم حرام؟ فإن قالوا: حرام. فليجلدهم، وإن قالوا: حلال. فليضرب أعناقهم، فقالوا: بل حرام، فجلدوا وتابوا. •••
وربما تجمع للرجل كل ما في «طبيعة الجندي» من الخصائص، وبقيت محبوسة فيه لا يدري بها الناس إلا أن يأتي بعمل ينم عليها، فيدين نفسه بطبيعته تلك، ولا يدين غيره، ويكون مطبوعا على أن يطيع، ولا يكون مطبوعا على أن يطاع، وإذا جاءته طاعة المطيعين له، فإنما تجيئه من سلطان النظام، وحكم الشرع، وغلبة العادات؛ لأن الشجاعة مثلا لا تلازم الهيبة في كل حال، فقد يكون الشجاع مهيبا، ويكون غير مهيب أحيانا ممن تقتحمهم الأنظار، ويجترئ عليهم المستخفون.
أما عمر بن الخطاب فقد كانت له «طبيعة الجندي» ظاهرة وباطنة، تبادر القلوب كما تبادر الأنظار، وتلازمه كأنها عضو من أعضائه، فما يجترئ عليه مجترئ إلا أن يطمعه هو، ويسهو عن نفسه لحظة ليغريه بالاجتراء.
وهي في موقف الأمر مخيف من لا يخاف، ويجفل منها من يحتمي بجاه أو كبرياء. شكا إليه رجل من بني مخزوم أبا سفيان لظلمه إياه في حد كان بينهما، فدعا بأبي سفيان والمخزومي وذهبوا إلى المكان الذي تنازعاه، ونظر عمر فعرف صدق الشكوى ونادى بأبي سفيان: خذ يا أبا سفيان هذا الحجر من هنا فضعه هنا، فأبى وتردد، فعلاه بالدرة وهو يقول: خذه فضعه ها هنا، فإنك ما علمت قديم الظلم. فأخذ أبو سفيان الحجر، ووضعه حيث قال، ولو غير عمر أمره هذا الأمر لاستكبر أن يطيع، أو شنها عليه شعواء لا تؤمن جريرتها.
كان
15
Halaman tidak diketahui