فتصدى الفقيه ابن عبد البر للكلام فقال: «أليس هو صاحب القصة مع سيف الدولة يوم حضر مجلس غنائه وهو لا يعرفه، وسأله إذا كان يعرف الغناء فأخرج آلة عزف عليها، فبكى من في المجلس، ثم فكها وركبها وعزف عزفا آخر، فنام من في المجلس؟»
قال سعيد: «نعم، هو نفسه، وهذه هي الآلة التي عزف عليها، وقد تمكنت عابدة من أخذها منه.»
فازداد الأمير عبد الله إعجابا بالفتاة وتعلقا بها، فقال: «هل تبيع هذه الحسناء يا سعيد؟»
قال سعيد: «هي أرفع من وصمة البيع والشراء يا سيدي، ولكنني أكون - أنا وهي - في خدمة الأمير حفظه الله.»
قال الأمير عبد الله: «أما أنت، فإنني أرغب أن تمتنع عن بيع الكتب للناس، وتختصني بفضلك فتكون خازن كتبي، فتبقى أنت وعابدة بقصري. هل تستطيع ذلك؟»
فأشار سعيد برأسه إشارة الطاعة وقال: «إن من أسباب سعادتي أن أكون في خدمة مولاي الأمير عبد الله فأبذل جهدي في مصلحته، وقد كنت أرغب أن أقول له إن عابدة لا أتخلى عنها لأنها استأنست بي، وأنا أدرس لها أشياء من الأدب والشعر لم تكن تعرفها؛ ولذلك فإني أتردد عليها حينا بعد آخر.»
فقطع الأمير عبد الله كلامه قائلا: «لا حاجة بك إلى التردد. إنك تقيم في هذا القصر، وتتولى ترتيب الكتب في أماكنها، وتحضر إلي ما أريده منها، فإني لا أريد أن تكون في قرطبة مكتبة خيرا من مكتبتي.»
فأشار سعيد برأسه إشارة الطاعة، وسكت.
فصفق الأمير عبد الله، فجاء ساهر الحاجب فقال له: «أعدوا دارا خاصة لنزيلنا سعيد، وأدخلوا عابدة دار النساء مكرمة.»
فوقف سعيد يريد الانصراف، فطلب منه الأمير عبد الله أن يبقى، فقال: «لا بد لي من الانصراف لتدبير أموري والتفرغ لخدمة مولاي الأمير.»
Halaman tidak diketahui