Cabd Rahman Nasir

Jurji Zaydan d. 1331 AH
171

Cabd Rahman Nasir

عبد الرحمن الناصر

Genre-genre

جاء سعيد إلى قرطبة في مهمة سياسية منذ أعوام، وكان قد علم بالبحث والتدقيق أن حسناء التي عرفها في صقلية صارت إلى الناصر في قرطبة وسماها الزهراء. عرف ذلك بدهائه واهتمامه، وكتمه عن أخيها، وجعل همه الوصول إليها، وأقام حولها الجواسيس، وكاتبها بأساليب مختلفة يستعطفها وهي تستخف به وترذله، وهو يزداد شغفا بها، حتى أصبح يسعى إلى الوصول إليها ولو نكاية فيها واستردادا لكرامته ودفعا لإهانته، وكان يعلم تعلقها بأخيها فأتاها بهذه الحيلة. •••

قضى سعيد بضع ساعات بغرفته في الظلام، وهو غارق في بحار الهواجس، وقد فر النوم منه وتولاه الأرق لعظم ما جاش في خاطره في ذلك اليوم.

الفصل التاسع والخمسون

موعد آخر

وبينما هو جالس على فراشه في الظلام، وبصره متجه إلى نور يظهر له من نافذة تطل على داخل القصر، إذ وقع نظره على شبح يتمشى هناك بخفة كأنه يحاذر أن يسمع أحد وقع خطاه، فتفرس فيه، فإذا هو ساهر وعليه ملابس الوصفاء كما رآه في المرة الماضية، فنهض واقتفي أثره، فرآه يلتمس غرفة الزهراء، فما زال في أثره حتى رآه دخل الغرفة وقد وقفت الزهراء لاستقباله، وهي لا تزال بثوبها العادي كأنها كانت على موعد معه، فثارت الغيرة في قلب سعيد وجعل يغالب نفسه فلم يستطع صبرا على ما شاهده، فمشى حتى دخل الغرفة ولم يشعر به أحد منهما، فرأى ساهرا جاثيا أمام الزهراء وهو يقول لها بصوت المحب الولهان: «مريني يا سيدتي فأنا رهين أمرك، وليس أشهى على قلبي من أن أنفذ إرادتك، ويكفيني شرفا وسعادة أن تسمع أذني أوامرك.»

فأجابته الزهراء: «انهض يا ساهر، بارك الله فيك، إني مسرورة من مروءتك وصدق مودتك. قل لسيدك أني لولا حبي له لم أطلب مقابلته، ولا بأس عليه من أهل هذا القصر، فليأت على عجل.» ولما وصلت إلى هنا لمحت سعيدا داخلا فبغتت وظهرت البغتة في عينيها ولاحظ ساهر تغيرها فالتفت حوله، فلما رأى سعيدا تنحى ثم انصرف.

أما سعيد فظل ماشيا وهو يتجلد حتى صار بين يدي الزهراء وهي تنظر إليه والغضب ظاهر في عينيها، فقالت له: «ما الذي جاء بك يا سيدي؟»

قال وهو يتلطف في التعبير: «جئت لأتمتع برؤيتك قبل الذهاب إلى الفراش، وقد تمتعت بما يذهب عني النوم!» وتنحنح.

فقالت باستخفاف: «ما كان أغناك عن هذا المجيء! كأنك تتلصص علي وتراقب حركاتي ومن يدخل أو يخرج من عندي! إن أمير المؤمنين لم يفعل ذلك.»

فقطع سعيد كلامها وقال: «لأن أمير المؤمنين لا يحبك مثلما أحبك.» قال ذلك وتنهد.

Halaman tidak diketahui