Abdul Rahman Al-Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Genre-genre
على أن الراجح في تقديرنا أن الكواكبي إنما أراد شيوع الفكرة بين المسلمين ببطلان دعوى الخلافة العثمانية؛ لأن بقاء هذه الفكرة على شيوعها في العالم يومئذ قد يشل حركته ويضعف حجته، ويمثله للناس كأنه محارب للخلافة الإسلامية مؤيد للغارة عليها من جانب الدول الاستعمارية، فإذا ارتفعت هذه الشبهة فهو قمين أن يكسب الرأي العام إلى صفه، وأن يتقي دسائس الدول التي لا يعييها أن تبثها بين الأمم التابعة لها إحباطا لمسعاه؛ بل لعل هذه الدول ترحب بالخلافة المنعزلة عن الدولة وتفضلها على الخلافة التي تعترضها في ميادين السياسة الدولية. •••
ويحق لمن يترجم الكواكبي أن يتنبه إلى رأيه عن الدعوة في مقام حرج من مقامات الترجمة له وتقديره على حسب أعماله ومساعيه.
ونقول إنه مقام حرج؛ لأنه مقام النظر في النيات الخفية التي يتوقف عليها الشيء الكثير في موازين التقدير والحكم على الأعمال والأخلاق، وهي على لزومها لاستيفاء بحث المترجم وتصحيح نقده عرضة للمنازعة والمغالطة خفية المسلك على من يحسن النية وعلى من يسيئها في تقدير العظيم.
لم أكن قد لقيت الكواكبي ولا رأيته في زيارة من زياراته للقاهرة؛ لأن زيارتي الأولى كانت بعد وفاته بشهور، ولكنني لقيت من عرفوه وصاحبوه في بعض مجالس العالم الإسلامي «محمود سالم بك» فيما أذكر، وهو ممن أقاموا زمنا في باريس لنشر الدعوة الإسلامية والرد على أقوال الصحف والساسة في المسألة الشرقية، ومن هؤلاء الذين لقوه - حيث سكنت زمنا بحي العباسية - شيخ متوقد الفطنة متتبع لأحوال الزعماء الدينيين خاصة فيما يدور حول العلاقة بين القاهرة والقسطنطينية، وبين المهاجرين من بلاد الدولة العثمانية، وبين حملة الأقلام وأقطاب الدين من المصريين. وكان حي العباسية وما جاوره في ذلك العصر ملتقى الكثيرين من زوار قصر الدمرداش وقصور الرؤساء المعتزلين وأصحاب الوظائف الكبرى في القصور الخديوية، ومنها قصر القبة مسكن الخديوي «عباس الثاني» يومذاك، وقلما يقيم في سواه.
قال لي ذلك الشيخ الفطن: إن أناسا من أصحاب الكواكبي كانوا إذا سمعوا عنه أنه يعمل لحساب الخديوي ويهيئ الجو في بلاد العرب لمبايعته بالخلافة تبسموا وقالوا: والله ما يعمل الرجل إلا لحساب نفسه، ألا ترونه حريصا على الخلافة العربية القرشية حريصا على النسبة إلى قريش في بيت من بيوت الإمارة؟
ولم أعرف يومئذ موقع الصواب في هذه المظنة، ولكنني قرأت كتب الكواكبي بعد ذلك عن الدعوة فرأيت أن الرجل يدعو إلى غاية طويلة الأمد يعلم أنها لا تتم في حياة فرد واحد، ويوطن العزائم على ذلك بين قرائه وصحبه، وهو أحرى أن يطمعهم في سرعة الإنجاز وسرعة الجزاء، لو كان له مأرب يتعلق به ويعلق به آمال العاملين معه غير مضطر إلى التصريح بمراده.
وكل ما يفهم من حرص الكواكبي على الخلافة العربية القرشية أنه لم يكن يعمل لمبايعة الخديوي عباس الثاني بالخلافة الإسلامية، وأنه ربما استعان به لإضعاف خلافة عبد الحميد والانتفاع بنفوذه في البلاد المصرية، ولكنه لا يستطيع أن يوفق بين خلافة عباس الثاني ودعوته إلى الخلافة العربية القرشية «الروحية» ... ولا يرى من إشاراته إلى اختلال الأمن حول الأماكن المقدسة أنه كان يرشح أحدا من بيت معلوم؛ بل ليس بين الإمارات العريقة في أواسط القرن التاسع عشر من تنفعه دعوة الكواكبي بشروطها المقررة في «أم القرى» سواء كانت دعوة إلى الخلافة أو إلى الدولة، ولكن دعوته - تلك - بشروطها من ناحية الدين وناحية السياسية تنتهي إلى غايتها إذا تفاهم الناس على شروطها وانخلعت بيعة العثمانيين في بلاد العرب، ثم قامت الجامعة الإسلامية بعد ذلك على أساس غير أساسها المرسوم في خطط عبد الحميد.
يكفي أن يقال إن الأمة العربية تبحث عن إمام عربي تبايعه بالخلافة الروحية ليبلغ الكتاب أجله، وتصبح المسألة بعد ذلك مسألة أسماء وأيام.
خاتمة المطاف
ونتيجة الأخبار والوقائع، وزبدة التعليقات والمعلومات، أننا أمام حياة عظيمة مقدرة لعمل مسمى، يوشك كل جزء من أجزائها وكل عنصر من عناصرها أن يشير إلى ذلك العمل ويترقب الوجهة التي اتجه إليها.
Halaman tidak diketahui