Abdul Rahman Al-Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Genre-genre
عليه فهذا القبر قبر الكواكبي
الكتاب الثاني
الفصل الثالث عشر
برنامج إصلاح
فكر الكواكبي كثيرا، وأطال التفكير، في جميع المسائل التي بنى عليها دعوته إلى الإصلاح، وهي دعوة محيطة بشئون الشرق الإسلامي في زمنه على الإجمال، وشئون الشرق العربي على التخصيص، وليست من الدعوات التي تتجه إلى ناحية واحدة أو تنحصر في جزء من أجزاء الحياة العامة التي تتفرق العناية بها بين أشتات من المصلحين.
وقد نهج في دعوته منهج العلم التجريبي أو الفلسفة العملية، فنظر في جميع العلل وقدر جميع الوجوه، واعتمد البحث في تلك العلل من ناحية النفي وناحية الإثبات، فلا يزال بالعلة المقدرة يتتبع أعراضها ويستقصي آثارها ويرى أين مكان الصواب من تطبيقها على الواقع وتفسيرها بالرأي، وأين مكان النقص الذي تقصر فيه عن تفسير الواقع وموافقة الأحوال.
ويبدو لنا منهجه في التفكير والمراجعة من أسلوب كتابيه اللذين عرض فيهما آراءه في علل الضعف، وشفعهما بما يقترحه لعلاج ذلك الضعف والوقوف به عند حده واستئصال أسبابه ودواعيه.
فهو في كتاب «أم القرى» يختار أسلوب المساجلة بين طائفة من أصحاب الآراء ليعرض على لسان كل منهم وجهة نظر يشرحها من جانبه ويتلقى الرد عليها من مخالفيه، ومنهم من يعلل الضعف بالجهل، ومن يعلله بالفقر، أو يعلله بالاستبداد، أو يعلله بالخور والجبن وفساد الأخلاق، أو يعلله بالتواكل والتسليم للمقادير، ومنهم من يلقي التبعة فيه على الأمراء أو على العلماء أو على الخاصة دون العامة، أو على العامة دون الخاصة، ويعود باللائمة تارة على المسلمين وتارة على أعداء الإسلام، ثم يتراءى للقارئ من بين مطارح الأفكار ومذاهب الحوار مبلغ كل علة من الأثر، ومبلغ كل أثر من الأصالة في الضرر، ومبلغ الاشتراك بينها في التأثير، وأيها أحق بالابتداء أو أحق بالإرجاء.
وإنما يطلع القارئ في الواقع على رأي مفكر واحد يذهب بالنظر في شتى مذاهبه، ويراجع نفسه فيما يعن له من خواطره التي طرأت له فامتحنها وثبت عليها أو عدل عنها.
أما أسلوبه في كتاب «طبائع الاستبداد» فهو أسلوب التقسيم واستيفاء الكلام على كل موضوع من الموضوعات، أخذا وردا، وشرحا واستدراكا، وتقليبا للفكرة على وجوهها، كما تطورت في ذهن صاحبها وتقدمت بين بداءتها ونهاية التفكير فيها، وكل موضوع من موضوعات الكتاب عن الدين أو عن المجد أو عن العلم أو عن المال أو عن السياسة فهو مبحث مفروغ منه بين جوانب المناقشة وخواطر الظن والاستدراك وأدلة التشكيك والتفنيد، مما ينم على بحث طويل في ذلك الموضوع لم يقف عند سوانحه الأولى من الظن العاجل والرأي الفطير.
Halaman tidak diketahui