Abdul Rahman Al-Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Genre-genre
الفصل الحادي عشر
شخصية مكونة
«كان مربوع القامة، حنطي اللون، مستدير الوجه، خفيف العارضين، أقنى الأنف، واسع الجبين، ذا عينين زرقاوين، معتدل المقلة، لا غائرها ولا جاحظها، معتدل فتحة الفم، أزج الحاجبين، صغير الأطراف، معتدل الجسم بين السمن والهزال، أسود الشعر، قد وخطه الشيب حين فارق حلب إلى جهة مصر.»
هكذا وصفه صديقه الأستاذ كامل الغزي، ووصفه الأستاذ إبراهيم سليم النجار، وهو ممن عرفوه وصاحبوه فقال: «كان ربع القامة يميل إلى الطول قليلا، أبيض الوجه بياضا مشربا بشيء قليل من الحمرة، شأن سكان البلاد الباردة ... وقد أحاط خديه بلحية قصيرة كانت كالإطار لوجهه، مد فيها الشيب خيوطه.»
ووصفه ابنه الدكتور أسعد فقال: «كان ربعة إلى الطول أقرب، قوي البنية، صحيح الجسم، عصبي المزاج بتأن، أشهل العينين، أزج الحواجب، أبيض اللون، واسع الفم، عريض الصدر، أسود شعر الرأس والذقن، متأنق في لباسه، يتكلم بجهر هادئ وسلاسة وابتسام، يحسن السباحة والصيد والفروسية ...»
وسمعنا وصف سجاياه وملكاته العقلية ممن عاشروه، كما قرأنا هذا الوصف بأقلام مترجميه، فرأيناهم يتفقون على سجايا خلقه وملكات عقله اتفاقهم على سماته وتكوين جسده، كأنهم ينظرون إلى ملامح محسوسة لا تخطئ العين رؤيتها ولا يختلف الناظرون إليها في وصفها، فما من ترجمة له لم تبرز في الكلام عليه صفات الوقار والحلم والفطنة والنجدة وعفة اللسان وحسن الملاحظة وصدق الإرادة، وكأنما ثبتت هذه الصفات في نفوس عارفيه؛ لأنها جاوزت أن تكون صفات مقدورة، وأصبحت أعمالا متكررة يؤيد بعضها بعضا فلا ينساها من رآها وسمع بها وبآثارها، وهي قد أصبحت فعلا في عداد الأعمال المشهودة، ولم تبق في حيزها من عالم السجايا والأخلاق، وسنحت لها منادح الظهور والثبوت مرات في جملة الوظائف التي عمل فيها، فكان في كل منها أمين الجهر والسر، خبيرا بعمله، غيورا على الضعفاء، حريصا على واجبه، متطوعا بما يزيد على الواجب كلما دعته إلى ذلك دواعي النجدة والإنصاف.
ثم خلا من أعمال الوظائف فكانت بطالته في عرف الحكومة أدعى إلى إبراز تلك السجايا والملكات من كل وظيفة تولاها؛ إذ كان يشغل وقته بالتطوع لدفع المظالم وإبلاغ الشكايات وتمحيص الأسانيد والنهوض بتكاليف الرئاسة وأعباء الوكالة الموروثة التي ألقاها على عاتقه مكانه من العلم والوجاهة وسابق الخبرة بولاية أعمال الناس، وافتتح لهذه الأعمال مكتبا مستعدا مفتوح الأبواب لمن يقصدونه بغير جزاء؛ بل يحمل النفقة أحيانا عن أصحابها الذين يعييهم حملها من ذوي الحاجات.
لا جرم يتفق واصفوه على سجاياه وملكاته؛ بل على صنائعه وفعاله، كاتفاقهم على ملامحه وسماته، فإنها ملامح مشهودة وصفات جاوزت حيز الظنون إلى حيز الأعمال.
ومرجع ذلك إلى أننا هنا أمام «شخصية مكونة»، قام كيانها المتين على أسس عميقة من عوامل بيئتها وأسرتها وظروف زمانها وظروف حياتها وسائر مقوماتها وعناصرها، وتكاد كل صفة من صفات الكواكبي تنسب إليه فلا تعجب لاتصافه بها، ولا تنقب طويلا حتى تجد تفسيرها كافيا ماثلا في عامل من تلك العوامل المتأصلة في ظروف زمانه أو ظروف مكانه.
رجل يتطلع إلى قلب دولة وإقامة دولة من طريق الدعوة.
Halaman tidak diketahui