Abdul Nasser dan Kiri Mesir
عبد الناصر واليسار المصري
Genre-genre
ولكم أود لو قام واحد أو مجموعة من شباب الباحثين في العلوم الاجتماعية بإجراء دراسة استقصائية على عينات مختلفة من الفئات الشعبية، يستكشف فيها الجوانب المختلفة لمفهوم الاشتراكية لديهم، ويستطلع ردود أفعالهم إزاءها، ولا شك أن دراسة كهذه، إذا أجريت بدقة، ستغنينا عن جدل كثير، وستبين بجلاء إن كانت التجربة السابقة قد نجحت، أو أخفقت في تقريب معنى الاشتراكية إلى أذهان الناس وفي زيادة تمسكهم بها.
إن مشكلة اليسار تنحصر، في رأيي، في أنه يتغاضى عن الأخطاء الجسيمة كما لو كانت الإنجازات تلغيها أو تحجبها ولا يكتفي بذلك، بل يفرض على هذه الأخطاء ستارا من الصمت لمجرد أن اليمين أصبح في هذه الأيام يقول بها. وهنا أجد نفسي مضطرا للعودة مرة أخرى - وأخيرة - إلى مثال ستالين؛ ذلك لأن كل ما أدين بسببه ستالين كان قد تردد على ألسنة اليمين العالمي طوال ما يقرب من ثلاثين عاما قبل إدانته في بلاده، ولكن أحدا لم يقل لخلفاء ستالين الذين أدانوه ما يقوله لي اليساريون المصريون اليوم: إنكم تخدمون اليمين لأنكم ترددون نفس اتهاماته!
أما أنا فلست أعتقد أن تدهور مستوى الخدمات والمرافق، وانتشار الأمية وهبوط مستوى التعليم، وشيوع السرقات والاختلاسات، والاستخفاف بالقانون وإشاعة الرعب والجبن والنفاق؛ لست أعتقد أن هذه أمور هينة، أو أن إنجازا آخر يمكن أن يغفر لأي نظام في الحكم تفريطه فيها.
ولست، أعتقد أن في وسعنا استبعاد هزيمة 5 يونيو ببساطة على أساس أن المهم هو الوقوف في وجه الإمبريالية العالمية، فهذه الهزيمة، التي يمر عليها اليسار المصري مرا سريعا وكأنها مجرد انتكاسة عابرة، ستظل آثارها البعيدة المدى تؤثر فينا حتى أواخر القرن الحالي على الأقل، حتى لو أزلنا على الفور آثارها المباشرة؛ وهي احتلال الأرض. وإذا كان اليسار يصورها بأنها مؤامرة خسيسة من الإمبريالية العالمية للقضاء على تجربة اشتراكية، فإني أضيف إلى ذلك أنه لولا التفسخ والانحلال الداخلي لهذه التجربة ذاتها لما نجحت الإمبريالية في مؤامراتها؛ إذ إن هذه المؤامرات مستمرة ليل نهار، ومع جميع الشعوب، ولكنها تنجح مع البعض ولا تنجح مع البعض الآخر، أما في حالتنا نحن فقد نجحت بامتياز، وإلى مدى لم تكن هي ذاتها تحلم به.
ولهذا السبب أحسست بالدهشة والألم حين قرأت منشور الدعاية الطويل الذي كتبه الأستاذ محمد عودة عن السياسة الخارجية في عهد التجربة الناصرية، والذي جعل فيه السياسة هي المحك الوحيد لنقد الثورة، فقال بالحرف الواحد: «يقاس نقد الثورة - إذا كان علميا وموضوعيا ونزيها - بإنجاز واحد: هو ما حققته للقضية المصرية.» متجاهلا بذلك كل المقاييس الأخرى المتعلقة بحياة الإنسان وأمنه وطمأنينته وحرياته ومأكله وصحته وتعليمه، بل متجاهلا التداخل الوثيق بين هذه العوامل الداخلية وبين أي تحرك يمكن تحقيقه بالنسبة إلى القضية المصرية، والأمر المؤسف هو أن الأستاذ عودة لم يعمل أي حساب لذلك الانهيار الذي طرأ على معياره الوحيد - وهو القضية المصرية - بحيث أعادها نصف قرن إلى الوراء بعد 5 يونيو ووصل ذلك التجاهل إلى ذروته حين قال: «إذا كانت قد حدثت أخطاء في السياسة الخارجية العربية أو الدولية، فإنها لم تقض علينا ولم تكسرنا ولكنها عركتنا.»
أرأيتم إلى أي حد يزيف اليسار الناصري تاريخنا بعد5 يونيو؟
سؤال ورد غطائه
وهنا يأتي أوان الإجابة عن سؤال وجهه إلي، على سبيل الإحراج، عدد كبير من نقادي، وهو: إذا كانت التجربة الناصرية فاشلة في مجال الاشتراكية إلى هذا الحد، فلماذا حاربها اليمين بضراوة؟ ولماذا تآمرت عليها الإمبريالية العالمية؟
أما عن اليمين، فأنا لم أقل في أي وقت أنه انتفع من التجربة الناصرية، بل إنني أعترف بأنه أصيب بأضرار بالغة تفسر هجومه الحالي عليه، ولكن المشكلة هي أن الضربة التي وجهت إلى اليمين لم تكن لحساب الاشتراكية الحقيقية، بل لحساب النظام نفسه، وهذا هو العنصر المميز، والفريد، في التجربة الناصرية.
وأما الإمبريالية العالمية، فإن هجومها على التجربة الناصرية يرجع، في رأيي، إلى اعتبارات التوازن الدقيق بينها وبين المعسكر الاشتراكي العالمي، فقد توسع الوجود السوفيتي في أواخر العهد الناصري إلى الحد الذي قررت معه الإمبريالية العالمية ضرورة توجيه ضربة إليه، وكان هذا الوجود، بالنسبة إلى التجربة الناصرية، إجراء تكتيكيا، أما بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة فكان إجراء استراتيجيا أي أن ما كانت التجربة الناصرية تراه سياسة مرحلية تخدم أغراضا مؤقتة، كان في نظر العملاقين الدوليين سياسة بعيدة المدى، تؤثر على التوازن الدقيق الذي يحرص عليه كل طرف إزاء الآخر.
Halaman tidak diketahui