Abdul Nasser dan Kiri Mesir
عبد الناصر واليسار المصري
Genre-genre
يقول الدكتور فؤاد زكريا: إن التجربة الناصرية خربت نفس الإنسان المصري وعقله. وأنا أتفق معه في ذلك، ولكني اختلفت معه فيمن خربت نفوسهم وعقولهم؛ إنهم الطبقة الإقطاعية التي اعتصرت دماء الفلاحين قرونا طويلة، والمستغلون الذين أثروا على حساب الكادحين من العمال والشباب والمثقفين، والعملاء الذين تعاونوا مع أعداء الوطن وباعوا أنفسهم للشيطان، وكانوا ينفثون سمومهم من محطات إذاعات الاستعمار السرية، والخونة الذين كانوا أداة لكل عهد ومطية لكل مستعمر، وأهل الرأي الذين كانوا يرون أن النظام الملكي هو أصلح نظام لحكم مصر، ومؤلفو الأغاني وقصص الجنس والدعارة الذين بارت تجارتهم ببزوغ فجر جديد أصبح فيه النضال والكفاح قيمة إنسانية ومطلبا جماهيريا، لم تفسد التجربة الناصرية نفس وعقل العمال والفلاحين الذين تحررت نفوسهم وعقولهم من عقدة الماضي بأدرانه وأوساخه. ولا الجنود من جيل الثورة الذين حطموا أسطورة إسرائيل، ولا المثقفين والمهنيين الذين عملوا في المصانع ووحدات الإنتاج، ليثبتوا أساس القاعدة الصناعية والعلمية في المجتمع، ولا الشباب الذين فتحت أمامهم آفاق المستقبل وربطتهم بتاريخ النضال الوطني. لم تفسد التجربة الناصرية نفوس وعقول الجماهير العربية الذين انطلقوا يحررون أوطانهم من عهود القرون الوسطى وسيطرة الاستعمار والإمبريالية.
بل إن حركة تحرر الجماهير المصرية كانت لها انعكاساتها على حركات التحرر في العالم الثالث في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكانت التجربة الناصرية من التجارب الرائدة في العالم الثالث. لم ترتبط بشرق أو غرب، لكنها كانت تعبيرا عن الواقع الذي تعيشه البلاد النامية التي رزحت طويلا تحت نير الاستعمار، وكان من أبرز مهامها القضاء على التخلف المادي والتخلف الثقافي. وهي استمدت أصولها من تراث الشعب وتقاليده وواقعه وتاريخه الحضاري، وكان كل فرد مصري أو عربي يفخر بأنه عربي ينتمي إلى «بلاد ناصر» وأصبح للمصري والعربي شخصيته المميزة في أي بلد ينزل فيه.
ما لم يفعل الدكتور
لقد كنا نتوقع من الدكتور فؤاد زكريا - وهو أستاذ يفهم التاريخ - أن يفسر أخطاء الثورة بعوامل من تاريخها وظروفها وظروف المنطقة التي نشبت فيها ... لا بعوامل من طبيعة أشخاص هنا وهناك، وكنا نتوقع - ما دام يفهم التاريخ - أن يرى المراحل التي مرت بها الثورة رؤية تاريخية، ويبين اتساقها من مرحلة إلى أخرى:
من 1952م إلى 1956م هي مرحلة الصراع ضد الاستعمار وتثبيت الاستقلال الوطني وإسقاط تحالف الاستعمار والإقطاع.
من 1957م إلى 1961م محاولة إقناع الرأسمالية المحلية بالمشاركة في عملية التنمية وتحمل دورها الوطني ... وظهور وجه مصر العربي، وانعكاس ذلك على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
من 1961م إلى 1967م مرحلة الثورة الاجتماعية، وصدور القوانين والإجراءات الاشتراكية في قطاعات الإنتاج والخدمات.
المرحلة من 1967م حتى الآن: مرحلة العدوان الصهيوني الإمبريالي، الذي نشط لهدم مواقع النضال ضد الإمبريالية في الوطن العربي، ومحاولة الحد من الدور الثوري الذي تقوم به مصر على المستوى السياسي والاجتماعي.
ثم كنا نتوقع من الدكتور فؤاد زكريا، بعد أن يرى هذه المراحل، أن يتبين طبيعة المرحلة القادمة الحاسمة في تاريخ أمتنا لعدة أجيال تالية، هي مرحلة ستقرر هل تكون هناك ثورة أو لا ثورة، وهي تحتاج إلى تكاتف القوى الثورية المؤمنة بوطنها وقوميتها، لمواجهة الهجوم الرجعي العاتي الذي يحاول طمس معالم الثورة، ولتثبيت الإنجازات السياسية والاجتماعية التي حققها الشعب خلال صراعه المرير ضد قوى التخلف والاستعمار.
لقد مر الشعب المصري بتجارب كثيرة من قبل، منها الثورة العرابية التي كانت نقطة مضيئة في خضم ظلام دامس كان يلف شعبنا، قدم الشعب كل ما يملك، ولم يبخل عليها بعرقه ودمائه ولكن حينما هزمت عسكريا بواسطة الاستعمار نتيجة خيانة طبقات معينة معروفة أخذ البعض يهيل عليها التراب. بعضهم وصفها بأنها كانت «نقطة سوداء في تاريخ مصر» والبعض أطلق عليها «هوجة عرابي» وكان ذلك إرضاء للسادة الجدد ولطمس معالم تاريخ النضال الشعبي المصري، بل إن الحركة الوطنية المصرية بعد ذلك - والتي كانت لها انتماءات معينة - أخذت تهون من هذه الثورة، ووصلت إلى حد المسخ والتشويه، وهو ما خلق جوا من عدم الثقة في نضال الشعب غذي بأكاذيب لبست ثوب الحقائق. ومع ذلك ظلت الثورة العرابية علامة على طريق نضال الشعب حتى تمكنت ثورة يوليو 1952م من طرد الاستعمار وشق طريق جديد أمام الشعب للكفاح.
Halaman tidak diketahui