Abdul Nasser dan Kiri Mesir
عبد الناصر واليسار المصري
Genre-genre
إن أكبر خطأ للدكتور هو أنه اكتفى بما تردده حلقات محدودة، معظمها رجعي، في منتدياتها وثرثراتها ولم يحاول أن يتعرف على حقيقة شعور الطبقات الكادحة من عمال وفلاحين وشباب ومثقفين ثوريين ... وهم الذين قامت الثورة من أجلهم وحققت أكبر إنجازاتها بواسطتهم.
لعل الأستاذ الدكتور لم يسمع بالموقف الوطني الثوري الذي وقفته الجماهير يومي 9، 10 يونيو سنة 1967م حينما رفضت الهزيمة وأصرت على استمرار النضال بقيادة جمال عبد الناصر. ولا بوقفتها الرائعة حينما تصدت لقوى اليمين الرجعي في مناقشات «ورقة أكتوبر» في سبتمبر 1974م أمام لجنة الاستماع بمجلس الشعب التي حاول فيها الانقضاض على مكتسبات الشعب التي حققها بعرقه ودمائه، ولعله أيضا لم يسمع أن بعض عناصر اليمين طالبت أن تذهب البنوك الوطنية إلى الجحيم كي تفسح المجال للبنوك الأجنبية لتحتل مكانها، أو أنها نادت بهدم السد العالي وتصفية القطاع العام الذي يملكه الشعب وبيعه بالمزاد. وإلا فلماذا لم يبين لنا رأيه في هذه المواضيع ويحللها التحليل العلمي الصحيح في بحثه المستفيض، ويحدد لنا موقفه منها بوضوح، كما اجتهد وتوصل في تحليله إلى «أن سخط الإنسان المصري على التجربة الاشتراكية كان واضحا وجليا في استقبال نيكسون وأن ذلك كان استفتاء غير رسمي على التجربة الاشتراكية المزعومة.»
هل صنع اليمين كل هذا
يقول الأستاذ الدكتور: «إن التجربة الناصرية لم تكن في حقيقتها يسارية بالمعنى الصحيح، ولم يكن لها من مقومات الاشتراكية بالمقاييس العلمية الصحيحة إلا أقل القليل.»
وإني أسأله: هل تنتمي إلى اليمين إذن إنجازات «التجربة الناصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي غيرت خريطة مصر كما لم تتغير في كل تاريخها، والتي تجاهلها في بحثه بدعوى أن الجماهير ملت من كثرة تكرارها»؟
ما هو تقييمه للتخلص من الوجود الاستعماري البريطاني الذي ظل جاثما على صدر الشعب أكثر من سبعين عاما وتحرير الاقتصاد المصري من سيطرة الرأسمالية والاحتكارات العالمية، المتمثلة في الشركات الأجنبية وأهمها شركة قناة السويس - وتصفية قواعد الإمبريالية المتمثلة في البنوك وشركات التأمين الأجنبية - والقضاء على الإقطاع وتوزيع الأرض على المعدمين - ووضع أساس بناء القاعدة الصناعية والعلمية للمجتمع لمواجهة متطلبات المستقبل، وإعطاء دفعة قوية للتنظيمات النقابية والتعاونية وإقرار مجانية التعليم، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية وتدعيم أكبر مؤسسة دينية (الجامع الأزهر) ليكون جامعة إسلامية تجمع بين علوم الدنيا والدين، ومنارة للمعرفة لكافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها - وغير ذلك من إجراءات استهدفت مصالح أوسع الجماهير الشعبية.
إن الدكتور يتجاهل هذا كله، ويزعم «أن التجربة الاشتراكية الناصرية لم تضع الطبقات الشعبية نصب عينيها دائما فيما كانت تتخذه من إجراءات.» وهو يعطي مثلا لذلك «رفع أسعار السكر والكيروسين وهما مادتان أساسيتان للكادحين الفقراء.»
ونحن نذكر أنه تم رفع سعر هاتين المادتين عام 1968م حينما كانت مصر تواجه مرحلة من مراحل نضالها ضد العدو المشترك (الصهيونية والإمبريالية) وهي مرحلة الصمود الاقتصادي التي كان العدو يأمل أن تنهار فيها جبهتنا الداخلية وكان من الضروري اتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية لتدعيم هذه الجبهة. ومع ذلك فإن الزيادة التي تمت لم تتجاوز بضعة مليمات للكيلو الواحد، هذا علاوة على ما اتخذ من إجراءات أخرى كان لها أثر في تدعيم جبهتنا الاقتصادية بحيث اعترف كثير من المراقبين بقوة الاقتصاد المصري عام 1969م رغم الأعباء الكبيرة التي كان يتحملها، لقد كنت أربأ بالدكتور فؤاد زكريا أن يستشهد بهذا المثل لمهاجمة التجربة الناصرية، ولكن إنما الأعمال بالنيات!
ثم هل ينتمي إلى اليمين ما قامت به ثورة يوليو - كما يحلو للأستاذ الدكتور أن يقول - من دور على النطاق القومي، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر في تدعيم الحق العربي، وتصفية كثير من مواقع الاستعمار والإمبريالية في الوطن العربي، وإعلان الثورة الاجتماعية، وتأكيد انتماء مصر إلى الأمة العربية؟ وهل ينتمي إلى اليمين أيضا الدور القيادي لمجموعة دول عدم الانحياز، والمساهمة الفعالة في قيام منظمة الوحدة الإفريقية، وتدعيم حركات التحرير الوطني في العالم الثالث والوقوف بجانب حركات الشعوب المناضلة من أجل الحرية والاستقلال؟
لقد امتنع الدكتور عن إبداء رأيه في كل ذلك، واكتفى بأن يقول: «إن للنظم التقدمية مؤشرات معروفة تدل - دون حاجة إلى مجهود - على أنها حققت أهدافها أو سارت في طريقها بجدية.» وأورد بعض الأمثلة لذلك، تبين قصورا في قطاعات الخدمات على وجه الخصوص، وإنني أحيله إذا أراد أن يزيد معلوماته في هذا الشأن إلى البيانات التي تصدرها الإدارة العامة للتعبئة والإحصاء وغيرها من تقارير الأمم المتحدة والوكالات الدولية للتطور الاقتصادي والاجتماعي في مصر منذ عام 1952م حتى الآن، وأعتقد أن بها كثيرا من المعلومات المفيدة في هذا المجال ... إذا كان مصمما على أنه المؤشر الوحيد لتقدمية الأنظمة أو رجعيتها.
Halaman tidak diketahui