فآنس إسماعيل قرب رضائه، فسر لزوال تلك العقبة من طريق الدولة فقال: «ما هو أقصى ما يطمع فيه الناس للتقرب من الخلفاء أكثر من أن يتزوجوا بناتهم؟ إنني أعدك أن الرشيد يزوجك ابنته العالية؛ فما قولك؟»
فرأى جعفر أن ذلك الزواج إذا تم لا يقف في سبيل بغيته، بل هو قد يساعده على تنفيذها، فأظهر الاستحسان ولكنه قال: «إنها قربى عزيزة، ولكن الرشيد قد يشاور وزيره فلا يقبل!» وضحك.
فقال: «لا تكن سيئ الظن بالرشيد إلى هذا الحد؛ فإنه أقوى عزيمة وأشد بأسا مما تظن، وأنا أضمن لك ذلك في كل حال. إنما أرغب أن ترجع إلى البصرة ريثما أوافيك بالخبر.»
قال جعفر: «سأذهب حسب أمرك، ولكنني لا أرى ضررا من بقائي هنا حتى تنقضي هذه المهمة.»
قال: «حسنا. اذهب أنت الآن إلى قصري، وأنا أمضي غدا إلى الرشيد في هذا الشأن.»
فقال: «ولكن ألا تأذن لي أن أعود إلى الأمين فأودعه وآتي ببعض الأمتعة التي تركتها عنده، فأبيت الليلة هناك؟»
قال إسماعيل: «اذهب في حراسة الله.»
وكانت الشمس قد دنت من المغيب، فطلب جعفر إلى إسماعيل أن يأذن بإنزاله من السفينة ليركب زورقا يعود به إلى قصر الأمين.
فأمر إسماعيل بإيقاف الحراقة بجانب الشاطئ، ورأى جعفر هناك زورقا ركب فيه حتى عاد إلى قصر الأمين وقد أقبل العشاء وأظلم الليل، فوقف عند المصطبة، فنبحت الكلاب - وكانت كبيرة هائلة - فخاف أذاها ولبث واقفا عن بعد يتردد بين النزول من هناك أو الدخول من الباب الآخر وراء البستان، ولاحظ في أثناء وقوفه أن المصطبة خالية من الناس؛ إذ لم يسمع فيها غناء ولا رأى نورا، فعزم على المسير في الزورق إلى الباب الآخر، والطريق إليه بعيد.
وبينما هو يفكر في ذلك إذ رأى نورا يظهر في المصطبة ويدنو من السور، ثم سمع لغطا خفيفا، وإذا بيد امتدت فوق الحائط والمصباح في قبضتها، فلما رأت الكلاب المصباح سكتت، ثم أطل رجل عرف جعفر من مظهره أنه قيم الغلمان فناداه، فقال الرجل: «سيدي جعفر؟»
Halaman tidak diketahui