2
وكان قوي العضل حتى يلقى الأسد فلا يبالي به،
3
وفيه بطش وشجاعة وفصاحة وأدب وبلاغة، فإذا لقيه الرجل تهيب من منظره وأحبه، ولكنه كان سيئ الرأي، كثير التبذير، أرعن،
4
جعل همه اللهو والقصف باقتناء الجواري والغلمان. ولعله سيق إلى الإفراط في ذلك بما أراده أهل الأغراض من تضييع الملك على يده، أو رغبة منهم في استرضائه التماسا لسخائه. أما ابن الهادي فكان رقيق البدن، جميل الصورة، قصير القامة، خفيف العارضين، حاد العينين، وكان أكبر من الأمين سنا، وأحسن منه رأيا، وإنما سايره في قصفه ولهوه لغرض في نفسه.
ولما دخل الفضل صاح فيه الأمين: «عليك بثياب المنادمة، واخلع هذا الثوب؛ فإن إبطاءك إلى هذه الساعة لا ينبغي أن يفسد علينا ما دبرناه من وسائل السرور، وإن كان الصبوح قد انقضى، فنقضي بقية النهار في الطرب والأنس.» ثم صفق فأتاه غلام تركي جميل الصورة لم يبد عذاره بعد، وعليه دراعة حمراء اللون تمنطق فوقها بمنطقة عريضة من حرير موشاة بالقصب، وأرسل شعره ضفيرة طويلة وراء ظهره، وعلى رأسه شبه طاقية هرمية الشكل، مزركشة بالقصب، منحرفة إلى جانب واحد، في قمتها هلال من فضة أثقل رأسها فتدلى، فأصبح الغلام أشبه بالبنات منه بالفتيان لفرط جماله. ولو سمعته يتكلم لثبت عندك أنه فتاة لبعده عن خشونة أصوات الرجال؛ لأنه خصي. وكان في قصر الأمين كثير من أمثاله، عني بإحضارهم من أقصى بلاد الترك والجركس، وجعلهم طوائف لخدمته ولمجالس أنسه.
فلما جاء الغلام وقف متأدبا، فقال له الأمين: «من ترى في بابنا من الشعراء؟»
فقال الغلام: «الحسن بن هانئ «أبو نواس» وأبو العتاهية و...»
فقطع الأمين خطابه قائلا: «ما لنا ولأبي العتاهية وهو من أهل الزهد؟! فلا ينفعنا زهده في مجلسنا هذا. وأما الحسن بن هانئ؛ فإنه شاعر ظريف.» قال ذلك وضحك، ثم التفت إلى الغلام وقال: «اصرف الشعراء إلا ابن هانئ، وقل لصاحب الشراب أن يعد لنا مجلسا كاملا.»
Halaman tidak diketahui