قال: «لقد أبطأنا رغم إرادتنا. اسألي برة عما لاقيناه من الصعاب في أثناء الطريق. ألم نذهب أولا إلى سيدنا - أعزه الله - فأبقانا عنده إلى المساء، فجئنا من عنده توا إلى هنا. هل مولاتنا هنا يا عتبة؟»
فلما سمع أبو العتاهية ذلك الاسم بعد أن سمع صوت الجارية بغت وتزايدت ضربات قلبه، وتحقق أنها الجارية التي كان يهواها في أيام المهدي، وقد أكثر من تشبيبه بها وهو لا يجرؤ أن يطلبها منه، فاحتال في عيد النيروز فأهدى إلى المهدي برنية فيها ثوب مطيب، وكتب على حواشيه بيتين يشير إلى طلبها منه؛ وهما:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة
الله والقائم المهدي يكفيها
إني لأيأس منها ثم يطمعني
فيها احتقارك للدنيا وما فيها
فأدرك المهدي يومئذ غرضه، فهم بدفع عتبة إليه، فجزعت الجارية وقالت: «هل يرضيك يا أمير المؤمنين أن تدفعني إلى رجل بائع جرار ومتكسب بالشعر؟» فأعفاها وقال: «املئوا له البرنية مالا.» وأوصاه أن يكف عن التشبيب بها، فكف أبو العتاهية عن ذكرها، ولكن حبها ظل في قلبه. ولما مات المهدي وتفرقت جواريه لم يعلم أين كان مصيرها، فلما رآها في تلك الليلة هاجت في قلبه حرارة الشباب، ولكن دهشته مما يراه شغلته عن تلك الذكرى.
الفصل الخامس
دار فنحاس
أما عتبة، فإنها عادت إلى الخوخة وأمرت البواب ففتح الباب، فدخل الرجل «رياش» يحمل أحد الصبيين على كتفه، وقد ألقى الصبي رأسه على زنديه فوق رأس الرجل، واستغرق في النوم وذؤابتا شعره مرسلتان على كتفيه فوق الدراعة، وكذلك كان الصبي الآخر على كتف المرأة، وعتبة تسير بين أيديهما بالمصباح في فناء الدار حتى تواروا عن بصر أبي العتاهية، ثم رأى البغلتين في الزقاق عائدتين يسوقهما المكاري، فظل واقفا وهو يفكر فيما رآه، وقد نسي المهمة الأصلية التي جاء من أجلها، وأصبح همه كشف ذلك السر، وخاصة بعد أن سمعهم يتساءلون عن مولاتهم، فقال في نفسه: «من عسى أن تكون تلك المولاة؟! لعل في الأمر سرا أكتسب من وراء كشفه مالا!» فرأى أن يؤخر دخوله هنيهة لئلا يلحظ أهل البيت أنه عرف شيئا من أمر القادمين. فإذا دخل بعد ذلك احتال في كشف السر، فانتظر حتى سمع صرير الباب ورآه يغلق، ثم سمع صوت إغلاقه فتقدم نحوه ودقه بالحلقة، فسمع رجلا ينادي: «من؟»
Halaman tidak diketahui