قصرك مئات من السراري والجواري وتقتلني من أجل رجل تزوجته بشرع الله وسنة رسوله؟ إنني لا أبالي أن أموت ولقد لقيتك وناقشتك الحساب.» ثم خفضت صوتها وقالت: «ولكنني أبالي أن ترتكب ذلك بزوجي العزيز وولدي الحبيبين!» ثم ولت وجهها نحو طريق الحجاز حيث تظن أن ابنيهما يقيمان، وقد تعودت أن تستنشق ريحهما من تلك الجهة، وقالت: «أستودعتكما الله يا حسن ويا حسين.» ثم حولت وجهها نحو الشماسية كأنها تهم أن تناجي حبيبها، فسبقها مسرور بالسيف فقتلها، والرشيد لا يلتفت إليها، وود أنه لم يشهد قتلها؛ لأنه كان يحبها كثيرا، وكثرة محبته لها أوجبت شدة نقمته عليها لما اعتقده من خيانتها.
فلما سقطت العباسة ميتة أومأ مسرور إلى الخادمين فوضعاها في الصندوق، ونادى الرشيد: «أين الفعلة؟» فخرج مسرور وعاد بهم - وهم عشرة من الرجال الأشداء يحملون المعاول والزنابيل، وقد حسروا عن سواعدهم، وشمروا عن سيقانهم كأنهم من الأبالسة - فأمرهم أن يحفروا وسط تلك المقصورة، فحفروا حتى بلغوا الماء، فقال: «حسبكم. هاتوا الصندوق.» فأتوا به وأدلوا به في تلك الحفرة، ثم قال: «ردوا عليه التراب.» ففعلوا وأعادوا الموضع كما كان. ثم أخرجهم وأقفل الباب وأخذ المفتاح معه، وأمر مسرورا أن يحرس القصر ولا يدع أحدا يخرج منه أو يدخل إليه، فأوصى الحرس بذلك وشدد عليهم، وقال: «أي إنسان يأتي إلى هذا المكان، اقبضوا عليه.»
ثم قال الرشيد لمسرور: «خذ هؤلاء القوم وأعطهم أجرهم ووافني في القصر.» ففهم مسرور أنه يأمره بقتلهم، فأخذهم ووضعهم في جواليق، وخيط عليهم بعد أن أثقلهم بالصخر والحصى، ورماهم في وسط دجلة، وعاد إلى قصر الخلد، فوجد الرشيد هناك وقد طار نومه، فلما أقبل سأله الرشيد: «هل فعلت ما أمرتك به؟»
فقال مسرور: «قد أعطيت القوم أجورهم.»
1
فقال الرشيد: «خد هذا المفتاح وأبقه معك حتى أسألك عنه.» ودفع إليه مفتاح المقصورة.
فتناوله مسرور وقال: «سمعا وطاعة.»
وكان الصبح قد اقترب، فقال الرشيد: «نحن في صباح الخميس، وهو موعد موكب جعفر الوزير؛ فلا تبعد عني.»
فأومأ مسرور مطيعا.
الفصل الثاني والستون
Halaman tidak diketahui