فكيف إذا أضيف إليهما نفوذ صاحب الحق؛ لأنها كثيرا ما نصحت له أن يعدل عن الاستسلام لجعفر وأهله وهو لا يطيعها، بل كان يحمل ذلك منها محمل الانتقام منهم. فلما جاءها الآن يشكو عواقب استسلامه، نظرت إليه نظر الظافر وقالت: «مثلك يا أمير المؤمنين مع البرامكة مثل رجل مخمور غريق في بحر عميق، فإن كنت قد تيقظت من سكرتك، وتخلصت من غرقك، أخبرتك بما هو أعظم
فأثرت لهجتها هذه على الرشيد تأثيرا عظيما، ولولا حرمتها عنده ما أمسك عن الفتك بها، فقال لها: «قد كان ما كان؛ فقولي أي شيء أعظم من هذا؟»
قالت: «إن الأمر الذي سأحدثك عنه قد أخفاه عنك وزيرك، وهو أقبح من الخبر الذي عرفت وأشنع.»
فغضب الرشيد وقال: «ويحك! وما هو؟ قولي.»
فأعرضت بوجهها عنه وقالت: «إني أجل نفسي عن أن أخاطبك به. وعليك أن تحضر أرجوان
فكاد الرشيد يتقد غيظا ونهض سريعا وصاح: «أرجوان؟ خادم العباسة أختي؟»
قالت: «نعم، خادم العباسة أختك.»
فصاح الرشيد: «أين هو؟ استدعيه.»
فصفقت زبيدة فجاءها أحد الشاكرية الواقفين ببابها، فقالت: «اذهب حالا وادع لنا أرجوان الخادم من قصر العباسة.»
فأجاب مطيعا وخرج، وظل الرشيد في انتظاره كأنه على لظى الجمر، وزبيدة جالسة بين يديه، ولم يفه أحدهما بكلمة.
Halaman tidak diketahui