ولكنه قال بحماس جنوني: ماذا يصنع الموت بقلب جعله الحب من الخالدين؟
فقالت: سألبث بالقصر، لا أبرحه، حتى أسمع الأبواق تزف بشرى النصر والعودة! - فلندع الأرباب أن تقصر فراقنا. - نعم سأصلي إلى بتاح، ولكن في القصر لا هنا لأنه ليس لدينا متسع من الوقت.
ووضعت القلنسوة على رأسها، فتألم لاختفاء الشعر الأسود الحالك عن عينيه وقال: أهون علي أن أفارق عضوا عزيزا من جسمي!
فنظرت إليه بعينين يلتمع فيهما نور الحب والأمل، ولكن خيل إليها أن وجهه يكفهر، وصدره ينقبض، وتظلل جبينه سحابة مظلمة، فساورها القلق وسألته: فيم تفكر؟
فقال باقتضاب: الأمير أبوور!
فضحكت قائلة: هل بلغك ما تناقلته الألسن حينا من الزمن؟ يا عجبا! لا يخفى شيء في مصر، وإن كان من أسرار القصر الفرعوني، ولكنك علمت شيئا وغابت عنك أشياء؛ فالأمير إنسان نبيل سامي الخلق، وقد حادثني يوما - ونحن منفردان - في الموضوع الذي أذيع، فاعتذرت وقلت له إني أوثر أن أبقى صديقته، ولا أشك في أنه أحس بخيبة، ولكنه ابتسم ابتسامته النبيلة، وقال لي: إني أمير أحب الصدق والحرية، وتكره نفسي أن تستذل نفسا نبيلة ...
فقال ددف بفرح: يا له من إنسان نبيل! - نعم، إنه كريم ... - ألا يوجد في أفقنا ما يدعو إلى التشاؤم؟ أعني ... أخشى فرعون!
فخفضت عينيها خفرا وقالت: لن يكون أبي أول فرعون يصاهر أحد أفراد شعبه المقربين!
فأطربه جوابها وأسكره خفرها، وحنت ضلوعه إليها حنينا موجعا، وامتدت يده إلى يدها - وكانت تهم بلصق اللحية بوجهها - إشفاقا من مغيب هذا الوجه الحسن المشرق، فأسلمت يدها إلى يده، وكان استسلامها عذبا ساحرا، فجثا الشاب أمامها ولثم يدها هيمان مفتونا، وقالت له: أستودعك الآلهة جميعا.
ثم ألصقت اللحية المستعارة بوجهها، وضغطت على القلنسوة حتى مست حافتها حاجبيها، فردت إلى هيئة رسول الأمير ولي العهد، وقبل أن توليه ظهرها وضعت يدها في صدرها، وأخرجت الصورة الصغيرة العزيزة التي اتخذتها الطبيعة علة لهذا الغرام الجميل، وأعطته إياها بغير كلام، فأخذها بحنو وهيام ولثمها بفمه، ثم دفنها في صدره في مكانها الأول المعهود، وألقت عليه ابتسامة وداع، وكأنما أرادت أن تضاحكه، فأدت له التحية العسكرية، وسارت في مشية الجنود إلى الخارج.
Halaman tidak diketahui