وانحنى الكبراء بين يدي الأمير، وسار سموه بقامته الربعة، ووجهه الصلب الذي زادته الكهولة صلابة وصلفا، وسارت إلى يمينه الأميرة مري سي عنخ، واتخذ مجلسه في الوسط، وجلست إلى يمينه الأميرة والأمراء، وإلى يساره خوميني والوزراء، والقواد، وكبار الموظفين. وبعد وصول الأمير سكت الهتاف وجلس المدعوون، وابتدأت الحفلة، ونفخ في الصور، فصدحت الموسيقى، وظهرت فرقة الضباط المتخرجين من ناحية الثكنات تسير أربعة أربعة، يتقدمها قائد المدربين حاملا علم المدرسة، وقد ارتدوا للمرة الأولى ملابس الضباط ذات الوزرة الخضراء، والقميص الأخضر، والسترة المصنوعة من جلد النمر، فلما أن صاروا بإزاء العرش الجالس عليه صاحب السمو، سلوا سيوفهم، ومدوا بها أذرعهم، وهي عمودية أذبتها إلى السماء، فرد التحية واقفا.
وابتدأت بعد ذلك المباراة العظيمة بسباق الخيل، فامتطى الضباط الجياد المطهمة ووقفوا صفا، ثم نفخ في الصور فاندفعوا كالسهام المنطلقة عن أقواس مردة، وزلزلت أرجل الخيل الأرض زلزالا شديدا، وكادت لشدة عدوها تغيب عن الأبصار، وثبت البواسل عليها كأنهم سمروا في ظهورها تسميرا. وكانوا صفا، ثم فرق بينهم العدو الشديد، ثم شذ عنهم فارس كان لسرعته كأنما يركب ريحا مجنونة. وكان أسبقهم في العودة إلى المبتدأ ... وقد أذاع المدرب اسم الفارس الفائز ددف بن بشارو فاستقبل بهتاف شق عنان السماء، ولو أتيح للشاب أن يسمع أباه، وهو يهتف لابن بشارو بصوت كالرعد لما تمالك نفسه من الضحك!
وبعد مدة وجيزة بدأ سباق العربات، فركب الضباط وانتظروا صفا، ثم نفخ في الصور فانطلقوا كالعمالقة يبعثون بين أيديهم رهبة، ويتركون خلفهم دويا كشق الصخور وانهيار الجبال. وكانوا على ظهور العربات يتمايلون ولا يتزحزحون، كأنهم سيقان نخل راسخة، هبت عليها ريح عاصفة، تريد اقتلاعها فارتدت عنها خائبة مولولة ... ثم انطلق من بين صفوف العادين راكب سبقهم بقوة مارد فبدا وبدوا كأنه عاد وهم وقوف، وتوجه الفوز حتى النهاية، وأعلن المدرب اسم الفائز ددف بن بشارو وتعالى باسمه الهتاف واشتد له التصفيق ...
ثم أعلن المنادي عن سباق القفز على الحواجز، فامتطى الضباط جيادهم، وأقيم في وسط الفناء الطويل المصاطب من الخشب، يزداد مع التقدم ارتفاعها رويدا رويدا، ونفخ في الصور فعدت الخيل بعنف وطارت فوق الحاجز الأول كأنها نسور منقضة، وقفزت على الثاني كأنها أمواج الشلال الكاسرة، وتقدموا يكلل هاماتهم النصر المبين، ولكن خان الحظ البعض فعجزت الجياد غير صائخة إلى صراخ فرسانها البواسل، وسقط آخرون بين أصوات الإشفاق، إلا فارسا قفز الحواجز جميعا كأنه قدر محتوم أو فوز مجسم، وأعلن المنادي اسمه ددف بن بشارو بين التهليل والتكبير.
وحالفه الفوز في جميع المباريات، فكان المبرز في إصابة الأهداف بالرمح والقوس، وكان المنتصر في المبارزة بالسيف والضرب بالمزاريق، وآتته الآلهة نصرا مبينا، جعله بطل اليوم دون شريك، ونابغة المدرسة العديم النظير، وأحله مكانة الإعجاب والتقدير في كل قلب.
وكان على الفائزين أن يذهبوا إلى ولي العهد ليهنئهم على نبوغهم، فذهب ددف - ذاك اليوم - وحده، وأدى للأمير التحية العسكرية، فوضع الأمير يده في يده وقال له: إني أهنئك أيها الضابط الباسل؛ أولا على تفوقك، وثانيا على اختياري لك ضابطا في حرسي الخاص.
فطفح وجه الشاب بالفرح، وأدى التحية للأمير وعاد مثلج الصدر سعيدا، وسمع في أثناء مسيره المنادي يعلن للحاضرين تهنئة الأمير واختياره له في حرسه، فخفق قلبه وذكر بالفرح أسرته؛ بشارو وزايا وخنى ونافا الذين يسمعون خطاب المنادي، ويفرحون له الفرح الذي يجل عن الوصف.
وسارت بعد ذلك فرقة الضباط الجدد إلى عرش الأمير ليخطب فيهم، وقام الأمير وخطب فيهم قائلا بصوته الشديد النبرات:
أيها الضباط البواسل:
إني أعلن على الملأ إعجابي العظيم بشجاعتكم، ومهارتكم، وحماستكم، وتميزكم بسجايا الجندية الجليلة، ورجائي أن تظلوا كمن سبقكم من إخوانكم عنوان مجد للوطن ولفرعون رب العالمين.
Halaman tidak diketahui