فقالت في استحياء: هو عامل يا سيدي.
فضحك الرجل ساخرا، وقال لها وهو يشير إلى بناية على بعد قريب: اسألي عنه في مكتب المفتش.
فسارت زايا إلى هدفها، وكانت البناية متوسطة الحجم، جميلة المشهد، ويقف على بابها حارس من الجند، وقد اعترض طريق زايا، ولكنها أخبرته بما جاءت من أجله فأوسع لها، فدخلت حجرة واسعة تصطف في جوانبها المكاتب، ويجلس خلفها الموظفون، وكانت جدرانها ملأى بالرفوف المكدسة بأوراق البردي، وفي اتجاه الداخل يرى باب موارب دلها الجندي عليه بعصاه، فاجتازته إلى حجرة أصغر حجما وأجمل منظرا وأثمن أثاثا، وكان يجلس في ركن منها - خلف مكتب فخم - رجل ربعة القوام بدين الجسم، يميزه رأس كبير وأنف ضخم قصير في وجه ممتلئ، عظيم الشدقين، منتفخ الخدين كقربتين صغيرتين، وكانت عيناه جاحظتين وجفناه ثقيلين، وقد جلس جلسة كبرياء وعظمة، وانكب على ما بين يديه في تيه وسلطان.
وقد أحس بالداخل، ولكنه لم يرفع عينيه ولم يبد عليه اهتمام حتى فرغ مما بين يديه، فنظر إلى زايا نظرة شوس وتيه، وسألها بصوت تياه فخور: ماذا تريدين يا امرأة؟
فاستولى الارتباك والخوف على زايا وقالت بصوت مضطرب ضعيف: جئت أبحث عن زوجي يا سيدي.
فسألها بنفس اللهجة: ومن زوجك؟ - عامل يا سيدي.
فضرب المكتب بقبضة يده، وقال بلهجة حادة وبصوت كأنه يرن في قبو: وما الداعي إلى تعطيله عن عمله وإقلاقنا؟
فذعرت زايا وتفرق منطقها شعاعا ولم تحر جوابا ... فأدام إليها النظر وشاهد وجهها الخمري المستدير، وعينيها العسليتين الساخنتين، وشبابها الغض، فعز عليه أن يجثم الخوف على مثل ذاك الوجه الصبوح، ولم يكن له من السلطان إلا ظاهر وزهو. أما قلبه فطيب، وأما عواطفه فرقيقة، فعطف على المرأة وقال بصوته الأجوف ولكن بلهجة رقيقة ما استطاع: لماذا تبحثين عن زوجك يا سيدة؟
فتنهدت زايا ارتياحا وزال عنها الرعب وقالت بامتنان: إني آتية من أون بعد أن ضاقت بي سبل العيش، وأرجو يا سيدي أن يعلم بوجودي.
فنظر المفتش إلى الطفل الذي تحمله على ذراعيها وقال كالمرتاب: أمن أجل هذا جئت حقا ... أم جئت تبشرينه بهذا المولود؟
Halaman tidak diketahui