85

Cabarat

العبرات

Penerbit

دار الهدى الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

Genre-genre

اَلَّتِي كَانَتْ تُضِيء مَا بَيْن جَنْبَيْهِ مِنْ اَلْحُبّ قَدْ اِسْتَحَالَتْ إِلَى جَذْوَة نَار مُشْتَعِلَة تَقْضِم فُؤَاده قَضْمًا وَتَمْشِي فِي نَفْسه مَشْي اَلْمَوْت فِي اَلْحَيَاة فَأَطْلَقَ لِعِبْرَتِهِ سَبِيلهَا وَأَنْشَأَ بَيْن أَنِينًا يَئِنّ مُحْزِنًا تَرَدُّده اَلرِّيَاح فِي جَوّهَا وَالْأَمْوَاج فِي بَحْرهَا وَالْأَعْشَاب فِي مغارسها والسائمة فِي مَرَابِضهَا حَتَّى سَمْع أَصْوَات اَلرُّعَاة وَضَوْضَاء السائمة فَكَفْكَفَ عَبَرَاته وَأَسْلَمَ رَأْسه إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَذَهَب مَعَ هُمُومه وَأَحْزَانه إِلَى حَيْثُ شَاءَ اَللَّه أَنْ تَذْهَب.
هَكَذَا لَمْ يَنْتَفِع اَلْمِسْكِين بِنَفْسِهِ بَعْد اَلْيَوْم فَقَدْ ذَهَبَ مِنْ اَلْحُزْن إِلَى أَبْعَد مَذَاهِبه حَتَّى نَالَ مِنْهُ مَا لَمْ يَنَلْ كَرّ اَلْغَدَاة وَمَرَّ اَلْعَشِيّ فَأَصْبَحَ مَنْ يَرَاهُ فِي طَرِيقه يَرَى رَجُلًا يَائِسًا مَنْكُوبًا مُشَرَّد اَلْعَقْل مُشْتَرِك اَللُّبّ مذهوبا بِهِ كُلّ مَذْهَب يَهِيم عَلَى وَجْهه آنَاء اَللَّيْل وَأَطْرَاف اَلنَّهَار بَيْن اَلْغَابَات والحرجات وَفَوْق ضِفَاف اَلْأَنْهَار وَتَحْت مَشَارِف اَلْجِبَال يَأْنَس بِالْحَوْشِ أَنَس العشير بعشيره وَيَفِرّ مِنْ اَلنَّاس إِنَّ دُنُوًّا مِنْهُ فِرَار اَلْإِنْسَان مِنْ اَلْوَحْش وَيَرُدّ اَلْمَنَاهِل مَعَ اَلظِّبَاء واليعافير ثُمَّ يُصَدِّر إِذَا صَدَّرَتْ مَعَهَا وَرُبَّمَا تَرَامَى بِهِ اَلسَّيْر أَحْيَانًا إِلَى أفنية اَلْقَصْر اَلْأَحْمَر مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر فَإِذَا رَأَى أبراحه بَيْن يَدَيْهِ ذُعِرَ ذُعْرًا شَدِيدًا وَصَاحَ صَيْحَة عَظِيمَة وانكفا رَاجِعًا إِلَى قِرْبَته لَا يَلْوِي عَلَى شَيْء وَكَثِيرًا مَا قَضَتْ أُمّه اَلنَّهَار كُلّه حَامِلَة عَلَى يَدهَا اَلطَّعَام تُفَتِّش عَنْهُ فِي كُلّ مَكَان حَتَّى تَرَاهُ مُلْقَى بَيْن اَلْأَحْجَار عَلَى ضَفَّة نَهْر أَوْ فِي سَفْح جَبَل فَتَضَع اَلطَّعَام بَيْن يَدَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر بِمَكَانِهَا ثُمَّ تَرْفَع يَدَيْهَا إِلَى اَلسَّمَاء ضارعة متخشعة تَسْأَل اَللَّه بِدُمُوعِهَا وَزَفَرَاتهَا أَنْ يَرُدّ إِلَيْهَا وَحَيَّدَهَا ثُمَّ تَعُود أَدْرَاجهَا.

1 / 89