فصاحت إحسان: «يا بلهاء ... إنه ليس ضيفا ... هو ابن زوجي ... أسعد ... وهذا خاتم أمه، وكان يريد أن يحتفظ به، ولكني أغريت أباه بأن يعطينيه، فهو يكرهني ويحقد علي، وقد فسد ما بيننا بعد ذلك فآثر أن يعيش وحده، فإن به غنى عن أبيه، ولا يزورنا قط ... والآن قد استرده ...» •••
ولم تر جليلة أن تنهض عن سريرها فبقيت مستلقية عليه تفكر ... إذن لم يكن أسعد يراها جميلة، ولم يكن يدعوها عصفورته، ويهمس في أذنها بألفاظه المعسولة إلا ليخدعها، وكان الخاتم همه الوحيد ... وكل ما يبغيه هو أن يسترده، على حين كانت هي لبلاهتها تتوهم أنه مفتون بها.
ودار في نفسها خاطر آخر أوجع وآلم، ذلك أنها عاشت إلى الآن بعيدة عن أختها أكثر الوقت لأنها كانت في المدرسة، فهل كان ما دفع أسعد إلى مغادرة بيت أبيه هو انتزاع الخاتم منه، وإيثار امرأة أبيه به عليه؟ ألا يمكن أن يكون قد رأى من إحسان ما جعله يفر منها حرصا على كرامة أبيه؟ ولكن جليلة نفت هذا الخاطر المنكر الذي أدارته الغيرة في نفسها.
ولكنها لم تكن مخطئة، فما فر أسعد من بيت أبيه إلا لأن إحسان تطارده فيه، وإن كانت لم تزد على التودد.
وهكذا اتفق في ذلك اليوم أن كانت اثنتان تفكران في أسعد؛ جليلة وهي راقدة على سريرها تتمنى أن يعود لتراه كما هو لا في زي شيطان، وإحسان وهي تروح وتجيء في البيت، تدعو الله أن يظل أسعد بعيدا مخافة أن يفتتن بأختها الحسناء الصابحة الوجه ...
ومضت الأيام، وفي نفس كل منهما أمنيتها، وكانت جليلة تجد نفسها على الأيام عاجزة عن إحسان الظن بأختها إحسان، وكان استبداد هذا الخاطر بنفسها وإلحاحه عليها على الرغم من مجاهدتها له وثورتها عليه، يثيران غيرتها ويدفعانها إلى العناد، فتأبى أن تقبل من أختها وزوجها شيئا، وترفض أن ترافق أختها إلى حيث تذهب، وتصر على البقاء، وتطيل خلوتها بنفسها.
وفي مساء يوم، دخلت غرفة المكتب لتعيد كتابا وتستعير غيره، فاتفق أن لمست أصابعها أوراقا على المكتب فأطارتها، فانحنت لتعيدها إليه فإذا بها تقرأ في واحدة هذه الرسالة الوجيزة إلى زوج أختها:
آسفة جدا، وقد تركت لك رسالة وردتني من أسعد وهي تقص عليك القصة كلها، فلا حاجة بك إلى شرح مني، فأستودعك الله.
إحسان
فقرضت جليلة أسنانها، ومزقت الرسالة على غير عمد منها، ثم نظرت إلى الورقة الأخرى التي ذكرتها إحسان في كتابها فقرأت فيها:
Halaman tidak diketahui