«خبئي خاتمي ... بسرعة.» «ماذا؟» «خذي ... أخفيه ... ألا ترين هؤلاء الثلاثة المقبلين في مثل ثياب الأوشاب؟ أسرعي ... يا لك من بلهاء! ... لا بأس، سأتركه هنا؟ فما أظن أحدا يلمس هذين أو يدس يده بينهما.»
ودست الخاتم بين ثديي أختها الناهدين الراسخين وتركتها ومضت.
وكان الثلاثة الأوشاب، أو الذين آثروا أن يتنكروا في هذا الزي يتنقلون بين السيدات على عجل، وينزعون عنهن ما يسهل نزعه من الحلي، ويتركونهن ما بين ذاهلة مفتوحة الفم جاحظة العين، ومغشي عليها من الخوف، وصارخة تستغيث وتصيح: «أدركوني ... يا بوليس.» وكان بعض الرجال قد حاولوا أن يصدوا هؤلاء الأوباش ولكن فوهات المسدسات ردتهم وأرخت أيديهم إلى جنوبهم وألصقت ظهورهم بالجدران.
وتقدم أول الثلاثة من جليلة، وهي واقفة تنتفض ولا تكاد تقوى ساقاها على حملها وترى الكرسي إلى جانبها، ولا يخطر لها أن تقعد لفرط ما انتابها من الاضطراب والجزع، وتناول كفيها ورفعهما وهو يتأملهما، ثم صعد عينه إلى وجهها وقال: «غريب، فتاة جميلة مثلك لا تلبس حليا؟ وهؤلاء جميعا محشودون هنا احتفالا بك؟ غريب؟!»
وهوى بكفيه إلى فخذيها يتحسس ثنية الجوربين عليهما عسى أن تكون قد خبأت هناك شيئا، ولما لم يجد شيئا انصرف عنها وهو يهز رأسه مستغربا، وغادر الثلاثة البيت، كما دخلوا من الباب، صفا واحدا لا متريثين، ولا عجلين، ولا متلفتين، كأنما كان دخولهم وتفتيش السيدات أمرا عاديا مما يحدث كل يوم، فعلت الأصوات وانطلقت، بعد طول الاحتباس، وتصادمت الأجسام بعد أن استردت قدرتها على الحركة.
ودخل صاحب البيت وهو ينفخ ويمسح العرق المتصبب، وانحط على كرسي فحف به الموجودون وألحوا عليه بالأسئلة، وهو لا يجيب، ثم انتظمت أنفاسه فقال: «اطمئنوا ... لم يضع شيء ... كل ما أخذوه ألقوه في الدهليز ... يظهر أنها مزحة، ألا قبح الله هذه المساكن الخلوية ... لو لم يكن بيتنا بعيدا من المساكن لما اجترأ هؤلاء الأشرار أن يركبونا بهذا المزاح البارد المزعج، ولكن لا بأس ... والآن سيداتي وسادتي، تستطيعون أن تعودوا إلى الرقص والمرح.»
وتفرق المدعوون يستعيدون ما فقدوا، وأقبلت «إحسان» على أختها تقول لها: «هاتي الخاتم يا جليلة ...»
ولم تتم كلامها، إذا صح أنها تريد أن نقول غير ذلك، فقد دخل بينهما في هذه اللحظة شاب في زي شيطان، وأحاط خصر جليلة بذراعه، وهو يقول: «هذه رقصتي.»
فهزت إحسان رأسها وقالت لنفسها: «لا بأس، ولا داعي للعجلة، فإن الخاتم في أمان ولن يخطفه مراقصها وإن كان عفريتا.»
وقال العفريت لجليلة وهو يطوف بها: «ما أحلى أن ترقص الشياطين والملائكة معا.» وصوب عينه وهو يهمس بذلك إلى صدرها، وكان يدنيها منه ويشد عليها، وكانت هي تحاول عبثا أن تتخلص من هذا الذي يشبه العناق، فخيل إليها أن حدقتيه الباديتين من ثقبي القناع تومضان ساخرتين، فتقول له بصوت كأنما براه الضعف والتفتر والخوف والرغبة، وهذا الحذر الذي صارت تحسه يدب في جسمها: «أرجو ... اسمح لي»، ثم تجيل عينيها فيما حولها وهي تحدث نفسها أن عليها أن تتفلت من أسر يديه فلا يزيدها ذلك إلا اضطرابا.
Halaman tidak diketahui