وخطر للشيخ وهو راقد على سريره في تلك الليلة أن رقية مسكينة، وأنها مستوحشة في هذا البيت الكبير الذي ليس فيه إلا هو وحليمة والخادم الكهل الذي يقضي الحاجات، وأن رغبتها في التعلم من مظاهر إحساسها بالوحشة، وأن الواجب ... ولكنا نسبق الحوادث.
وجاءت المعلمة وبدأت الدروس فشغلت بها رقية عن كثير مما ينغص على حليمة، ولكن الشيخ لم يقنع بهذا ولم ير فيه الكفاية، وإن كان لم يفته أن حليمة أصبحت أقل شكوى وتذمرا من رقية. وكانت عادة الشيخ أن يخرج إلى الصلاة في مسجد سيدنا الحسين ثم يشرب الشاي في إحدى المقاهي الكثيرة المشهورة بصنعه هناك، ولا يعود إلا في الضحى فيتناول شيئا يسيرا من الطعام ويرتاح قليلا ثم يعود فيخرج ويمر بإخوانه التجار في دكاكينهم ولا يرجع إلا وقت الغداء، وإذا خرج في العصر فقلما كان يعود إلا بعد صلاة العشاء في «الحسين».
وقال ليلة وهما جالسان إلى الطعام: «أظن يا رقية أنك تستوحشين هنا ...»
فقالت: «كيف تقول يا عمي؟»
قال: «الوحدة ... ليس لك أنيس من سنك ... والبيت واسع كبير كالربع ... وليس فيه إلا نحن والعفاريت.»
وسره كلامه فضحك، فقالت: «بسم الله الرحمن الرحيم ... قل لي يا عمي ... هل في البيت عفاريت؟»
قال وهو يبتسم: «هل تخافين العفاريت؟»
فأجابت بسؤال: «ألا تخاف أنت؟»
قال: «الله هو الحافظ ... لقد خطر لي شيء ... أريد أن أدفن في بلدي.»
فصاحت به وقد خفق قلبها: «أعوذ بالله! لماذا تقول هذا الكلام؟»
Halaman tidak diketahui