ولاحظت الأم أن الأخوين أصبحا لا يفترقان - ولم يكن هذا حالهما من قبل - نعم كانا كاللصين لا يعرف ما بينهما إلا الله، ولكنه قلما يمضي الآن يوم لا تخرج فيه فيفي مع أخيها. فهل ترك زكريا إخوانه جميعا ... ثم إلى أين يذهبان ...؟ كلما سألت تلقت جوابا من زكريا فيه من الغموض والإجمال أكثر مما فيه من الوضوح والبيان، ويندر أن تزيد فيفي على الابتسام، وما أكثر ما تلجأ إلى تقبيل أمها واحتضانها كأنما تريد أن تصرفها عن هذا السؤال.
وإذا قالت شيئا كان قولها: «ألا يكفيك للاطمئنان أن أخي معي لا يفارقني؟»
ولم يكن هذا هو الذي يقلق الأم، وإنما كان يثقل عليها أنهما لا يريدان أن يقولا لها شيئا، وكان هذا يثير رغبتها في المعرفة، ولم تستبعد أن يكون زكريا قد ذهب يساعد فيفي على غرام لها، فإنها تعرف عظم ما بين هذين من الحب، ولكن إخفاء الأمر عنها معناه أنهما يدركان أنه لا يبعث على رضاها، ومن هنا كان قلقها.
وكأنما أرادت أن تقطع العقدة بالسيف، فأعلنت يوما أنها قررت العودة إلى القاهرة غدا، ولم يكن زكريا في البيت فتعبت فيفي في محاولة إقناعها بالعدول عن هذا القرار، ولم يجدها أن تبين لها أن الصيف ما زال باقيا منه أكثر من شهر.
فتظاهرت بقلة الاكتراث وهزت كتفها وقالت: «على كيفك، إذا كنت قد اشتقت لمصر فلنذهب إلى مصر ... وما الفرق؟ سيان عندي في الحقيقة ... وأقول لك الحق إني لم أضجر من الإسكندرية كضجري في هذا العام ...»
ومضت إلى غرفتها وقد شق عليها أن تترك الإسكندرية وتترك فيها حمادة، ولم يعزها أن حمادة سيرجع إلى مصر لا محالة، وأن في وسعه أن يرجع الآن أيضا ... كلا لم يعزها هذا الخاطر فاستلقت على السرير وهي تجيل هذا وما إليه في نفسها، ودخلت عليها أمها فرأتها ساهمة فسألتها ما لها فقالت: «لا شيء. تعب بسيط.»
وكانت الأم رقيقة القلب جدا، وقد مات لها ثلاثة قبل أن ترزق هذين، فهي ضنينة بها جدا، لا تطيق أن ترى أحدهما مزكوما أو مصدعا أو به فتور، وكان يقلقها ويزعجها أن ترى زكريا يؤثر أن يبقى في البيت لأنها تتوهم أنه مريض فتروح تلح عليه أن يخرج ويتنزه ويشم الهواء ويضحك مع الإخوان وينعش نفسه.
وقالت لفيفي: «ما لك ... لقد كنت قبل ساعة كالوردة النضيرة، فماذا جرى؟»
قالت فيفي: «لا شيء يا ماما ... تعب قليل ... يزول بالراحة ... اطمئني.»
فقالت الأم: «سأدعو الطبيب ... حالا.»
Halaman tidak diketahui