الحجة الثالثة: إن كان الخالق تعالى إنما هو خالق لشئ فإما أن يكون بالفعل خالقا له أبدا وإما بالقوة حتى يكون إنما يخلقه حينا لا أبدا. فإن كان الخالق بالفعل هو أبدا خالق فالمخلوق أيضا أبدا بالفعل يكون مخلوقا، وذلك من قبل أن الأمر على ما قال أرسطوطاليس من أن العلة إن كانت بالفعل فإن المعلول أيضا على ذلك المثال بالفعل. مثال ذلك إن كان البانى بانيا بالفعل فإن المبتنى مبتنى بالفعل. وإن كان الجالب للصحة جالبا بالفعل، فالمجتلبة له الصحة مجتلبة بالفعل. وقال أيضا أفلاطن فى كتابه المنسوب إلى «فيليبس» إن الذى يفعل ليس يفعل ما قد تم كونه ولا ما سيكون، بل إنما يفعل ما هو متكون أى دائب. فيكون وإن كان المخلوق ليس بالفعل فالخالق أيضا ليس هو أبدا خالقا بالفعل. وإن لم يكن خالقا بالفعل فهو إذا خالق بالقوة إذ كان وجوده قبل أن يخلق. وقد قال أرسطاطاليس أيضا إن كل ما كان بالقوة شيئا ما فإنما يصير ذلك الشىء بالفعل عما هو ذلك الشىء بالفعل فيصير ما هو بالقوة جار — جاريا بالفعل عما هو بالفعل جار، وكذلك يجرى الأمر فى البارد وفى الأبيض والأسود. فيجب من ذلك أن يكون الخالق أيضا إنما يصير خالقا بالفعل بعد أن كان خالقا بالقوة، من شىء آخر كان خالقا بالفعل فجعل هذا الخالق خالقا بالفعل وقد كان من قبل خالقا بالقوة. فإن كان ذلك الخالق هو أبدا علة بالفعل، لهذا فى أن يكون خالقا فهذا أبدا خالق، للقضية الأولى التى حكم فيها بأن العلة متى كانت أيضا بالفعل فإن معلولها أيضا يكون بالفعل. ويجب من ذلك أن يكون المخلوق أيضا أبدا موجودا. وإن كان ذلك الخالق أيضا بالقوة هو علة لتصيير هذا الخالق يخلق، فهو أيضا محتاج إلى شىء آخر يجعلها بالفعل مصيرا هذا الخالق إلى أن يخلق، للقضية الثانية التى حكم فيها أن كل ما هو بالقوة محتاج إلى ما بالفعل كيما يصير بالفعل. ولا يزال هذا القول يطرد فى ترقيه من واحد قبل واحد طالبين علة لما بالفعل فى هذه العلة بالقوة التى إياها قصدنا. فإما ترقينا بلانهاية، أو وصلنا إلى أن نعترف بعلة موجودة أبدا بالفعل. ومتى اعترفنا بذلك لزم وجود معلولاتها أبدا بالفعل، وأن كان العالم مخلوقا أبدا، إذ كان قد بين أن الخالق أيضا أبدا خالق — بقضيتين واجب قبولهما: إحداهما أن حال أحد الشيئين الداخلين فى باب المضاف إلى حال كانت كحال قريبة: إن كان بالقوة كان بالقوة وإن كان بالفعل كان بالفعل؛ والقضية الأخرى أن كل ما كان بالقوة فإنما ينتقل إلى ما هو بالفعل عما هو بالفعل ذلك الشىء الذى كان أولا ذاك علته بالقوة ثم صار بأخرة علته بالفعل.
[chapter 4]
Halaman 37