ظاهر الأمر إلى الإنابة بعد تقديم وعيدهم وشديد تهديدهم، صرف الكلام إلى
أمره ﷺ بما يلزمه من وظائف عبادته وما يلزمه في أذكاره من ليله ونهاره مفتتحا ذلك بأجمل مكاملة وألطف مخاطبة "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ"
تسلية له ﷺ كما ورد " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ"
وليحصل منه ألَّا اكتراث بعناد من قدم عناده وكثر لججه، واتبع ذلك بما يشهد لهذا الغرض ويعضده وهو قوله تعالى:، (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١)
وهذا عين الوارد في قوله: " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ " وفي قوله: "نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار" (ق. ٤٥)
ثم قال: "إن لدينا أنكالا"
فذكر ما أعد لهم، وإذا تأملت هذه الآي وجدتها قاطعة بما قدمناه وبان لك التحام ما ذكره، ثم رجع الكلام إلى التلطف به ﷺ وبأصحابه رضى الله عنهم وأجزل جزاءهم مع وقوع التقصير ممن يصح منه تعظيم المعبود الحق ﷻ "عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ، إلى قوله: "فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَهُ "
ثم ختم السورة بالاستغفار من كل ما تقدم من عناد الجاحدين المتقدم ذكرهم فيما قبل من السور إلى ما يفي العباد - المستجيبون به مما أشار إليه قوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) .
سورة المدثر
ملاءمتها لسورة المزمل واضحة واستفتاح السورتين من نمط واحد، وما
ابتدئت به كل واحدة منهما من جليل خطابه ﷺ وعظيم تكريمه "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ"