Pembina Islam: Muhammad dan Penggantinya
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
Genre-genre
في أبدع أيام الشباب وسنواته اليانعة إيناع الورود، في نحو العشرين من العمر الباسم الضاحك، كنت في القطار المسافر من «تريستا»، وكانت وجهتي «فيينا» للدرس والتحصيل في جامعتها المشهورة، وكنت لم أغب من قبل عن محيط مصر، فلم تألف عيناي من مناظر الطبيعة ومشاهدها الجميلة إلا مناظر الريف، وهي مناظر وديان سندسية الثرى والرقعة، فوقها سماء صافية زرقاء فاقعة الزرقة، ذات أفق ممتد طويل.
ولكن ما كاد القطار يعبر بي الحدود الإيطالية النمساوية عند «فيللاخ» و«فيلدن» حتى انتابت نفسي نشوة من الانشراح والجذل، ثم لم أشعر إلا وأنا أهتف من الأعماق قائلا: «يا إلهي!»
حقا لقد كان المنظر الذي شاهدته عيناي منظرا أخاذا للقلوب، مبهجا للأرواح.
كان منظر بساط أخضر فاقع الخضرة، في سعة بسط سليمان، يباهيه ويتيه عليه صنو مثله، ولكن في لون أخضر قاتم الخضرة، يمتد في وسط التلال التي لا يكاد يدركها الطرف، وأكواخ متناثرة تناثر النجوم، ذات سقف حمراء داكنة الحمرة، وتنتشر تلك الأكواخ بين حقول نبتت فيها أزهار جل من افتن في صنعها، ومن به عليها من شكول هي أبدع الألوان.
وإذن، فكيف لا يأخذ ذلك المنظر بمجامع الألباب؟! •••
وها أنا ذا بين رمال الصحراء، وسمائها ذات السراب، وقد مضت ساعتان ونصف ساعة منذ خروجي من جدة في طريقي إلى مكة لأول مرة زرت فيها الأراضي المقدسة، أراضي الحجاز، وقد وقع نظري على أول مبنى من مباني مكة، هو في أمثاله شبيه بالملايين، ولكن ماذا عسى أن أقول في وصف تأثيره في نفسي، فإني لأشعر بالعجز عن الوصف حتى إذا قلت إنه بلغ إلى أعمق مما بلغه منظر «فيللاخ» و«فيلدن».
وهل هناك أشد تأثيرا في النفس من رؤية ألوف من البشر لا تستر عورات أبدانهم إلا غلالات بيضاء، وهم يطوفون حول «البيت الحرام» وقد تساوى الغني والفقير، واستوى الكبير والصغير، وتحلت نفوسهم بالتواضع والخشوع، فترى المرأة المترفة التي عاشت بين العطور والزهور لا ترى غضاضة في أن تسجد على الأرض التي يطؤها الملايين، وترى الرجل ملكا إن شئت أو أميرا يمشي وهو يطوف وإلى جانبه عامة الناس.
رحلات ورحلات
وفي جميع الرحلات التي أمضيت أوقاتها في البلاد الأوروبية كان يتملكني - كما يتملك الغريبين عن أوطانهم - شعور واحد لا يتغير، وإحساس لا يتحول، هو شعور الوحشة في الغربة، والبعد عن الأوطان، ومفارقة الأهل والصحب والخلان.
ولقد كانت تلك الرحلات متباينة الأغراض، مختلفة المقاصد والغايات؛ فمنها ما كان في طلب العلم، وكثير غيرها للاصطياف، وأخيرا وخيرها: رحلاتي إلى الحجاز.
Halaman tidak diketahui