بلوغ المرام من أدلة الأحكام
تأليف
الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ﵀ (٧٧٣ هـ - ٨٥٢ هـ)
حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه
الدكتور ماهر ياسين الفحل
شيخ دار الحديث في العراق أستاذ الحديث والفقه المقارن بكلية العلوم الإسلامية - جامعة الأنبار
دار القبس للنشر والتوزيع
Halaman tidak diketahui
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
«وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين» (١).
﴿يا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوْتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً واتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُوْنَ بهِ وَالأَرْحَامِ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُوْلُوا قَوْلًا سَدِيْدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا﴾ الأحزاب: [٧٠ - ٧١].
أما بعد:
فإني أحمدُ الله أولًا وآخرًا، وظاهرًا، وباطنًا أنْ مكنني من تحقيق هذا الكتاب المختصر «بلوغ المرام من أدلة الأحكام» الذي مرّت عليَّ سنون في تحقيقه؛ إذْ عاودت العمل فيه مرةً بعد مَرّة في مُددٍ متباعدة، حتى استكمل عندي نصاب
_________
(١) من مقدمة «زاد المعاد» ١/ ٣٤ للعلامة ابن القيم.
1 / 5
المخطوطات، ولما تجمعتْ لدي بنعمة الله الهمة للتعليق على أحاديثه والحكم عليها صحةً وضعفًا مع دراسة الكتاب دارسةً وافيةً شرعت بالعمل وراجعته مرارًا تجنبًا الخطأ. وقد جعلتُ تحقيقَ الكتاب وقفًا لله ﷾؛ يحقُّ لكل مسلم طبعُه شريطةَ التقيّد بالنص، وقد وقفت الكتاب على روح أمي يرحمها الله تعالى، فأسال الله أنْ يجعله في ميزان حسناتها، يوم تقل الحسنات وتكثر الزفرات يوم الحسرات.
وكتاب «بلوغ المرام من أدلة الأحكام» من الكتب التي تهم الطالب المبتديء والعالم المنتهي؛ إذ إنَّ أحاديث الكتاب أحاديث الفقه؛ والفقهُ مهمٌ فهو ثمرة العلوم الشرعية، وما عبدَ الله بمثل الفقه كما قال الزهري، والفقه كما قال الراغب الأصبهاني: «ما من واقعة من الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه؛ لأنَّ به انتظامَ صلاح الدنيا والدين». ثمَّ إنَّ الكتاب من كتب المتون المختصرة، وهو ليس بالطويل الممل ولا القصير المخل، ومع لطافة الحجم وأهمية الموضوع انماز أنَّه مما يحفظ، وما زال أهل العلم الربانيون يحثون طلابهم على الحفظ، فهذا العلامة الكبير الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله يقول: «لا بد لطالب العلم من مخزون حفظي». وهذا الكتاب قد حفظه عددٌ كبير من الطلبة وأهل العلم منذ تأليفه، وحتى يوم الناس هذا، وقد اعتنى به أهلُ العلم تدريسًا وشرحًا؛ فكثرت عناية أهل الناس به في القديم والحديث، وصارت بعض شروحه مَدْرس الناس، والحمد لله رب العالمين.
والمؤلَّف رمزٌّ على المؤلِّف؛ إذ قد ظهرتْ في هذا الكتاب شخصيةُ الحافظ ابن حجر كما ظهرتْ في بقية كتبه، علمًا أنَّه اعتمد على من سبقه في جمع الأحاديث؛ إذ قد ألف عدد من العلماء في أحاديث الأحكام، كما إنَّ الحافظ انتفع كثيرًا في اختياره الأحاديث من كتاب «الإلمام» لابن دقيق العيد، ومن كتاب «المحرر» لابن
1 / 6
عبد الهادي، والحافظ ابن حجر قد أحال في كتابه هذا إلى بعض كتبه، كما أحال إلى كتابه النفيس «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» وفي ذلك إشارة إلى أنَّه انتفع مما قدمه من ثروة علمية إلى أمة محمد ﷺ.
ثم لا يخفى على الباحثين الجادين وكثير من الناس ما للحافظ ابن حجر من مكانة علمية، فقد كان على قدر كبير من وفور العقل والاشتغال بما ينفعه مع الحرص الشديد على الوقت، والحفاظ على أنفاس العمر بالعمل النافع، وقد دلَّ على ذلك ما قدم للناس من عطاءٍ علميٍّ وافر، بحيث كانت كتبه لا يستغني عنها باحث.
والحافظ ابن حجر قد حباه الله بشخصية فذة جمعتْ الجد والتقى وحسن السيرة، وقد كان مثالًا للشخصية العلمية النادرة، ومن الأدلة على ذلك كتبه التي انتشرت بين أيدي الناس على جميع المعمورة، فكانت كتبه تسير في زمانه مسير الشمس، كل ذلك كان سببًا للعمل في هذا الكتاب نصحًا للأمة واحترامًا لتراثها ودفعًا لغوائل التشويه عما قدمه أفذاذها بانين بذلك عزها ومجدها، ولم يكن جهدي منصبًا على تحقيق النص، فقد جهدت في الحكم على الأحاديث، والتعليق على ما يستحق التعليق من غير اختصار ولا تطويل، وقد قدمتُ للكتاب بدراسة متوسطة دالة على سيرة الحافظ ابن حجر، ثم الكلام على منهجه في كتابه «بلوغ المرام من أدلة الأحكام» ثم النسخ الخطية مع بيان ما لها وما عليها، ثم بيان منهجي الذي سرت عليه في تحقيق الكتاب، ولم أعمل للكتاب فهارس كاشفة؛ لأنَّ الكتاب متن مختصر للحفظ.
وبعد: فهذا كتاب «بلوغ المرام من أدلة الأحكام» للحافظ ابن حجر العسقلاني أقدمه لمحبي المصطفى ﷺ السائرين على هديه الراجين شفاعته يوم القيامة. وقد خدمته الخدمة التي توازي تعلقي بسنة سيدنا النَّبيِّ ﷺ وبذلتُ فيه ما وسعني من
1 / 7
جهد ومال ووقت، ولم أبخل عليه بشيء منَ الوقت، وكان الوقت الذي قضيته فيه كله مباركًا، وأوصي إخواني حفاظ الوحيين بالاهتمام غاية الاهتمام بحفظ القرآن الكريم والعناية به فهو مفتاح العلم، قال الضياء المقدسي عن أحد شيوخه: «وأوصاني وقت سفري، فَقَالَ: أَكْثَر من قراءة الْقُرْآن، ولا تتركه فَإِنَّهُ يتيسر لَك الَّذِي تطلبه عَلَى قدر مَا تقرأ، قَالَ: فرأيت ذَلِكَ وجربته كثيرًا، فكنتُ إِذَا قرأتُ كثيرًا تيسر لي منْ سماع الْحَدِيث وكتابته الكثير، وإذا لَمْ أقرأ لَمْ يتيسر لي»، وكلما تقدم الإنسان بالقرآن تقدم بالعلم، وفي الختام أشكر أخوي الوفيين الشيخ أحمد طارق عبد الحميد القيسي والشيخ محمد سعد سعود الطائي، فقد كان لهما اليد الطولى في تصحيح تجارب الطباعة ومراجعة الكتاب؛ فأسأل الله أن يجعلهما من الوارثين الذين يرثون الفردوس، ولا أنسى بالشكر والدعاء إخواني من أبي وأمِّي: طه أبا أسامة وثامرًا أبا عمر وسالمًا أبا عبد الله، الذين كانوا لي عونًا في حلي وترحالي وفي مسيرتي في طلب العلم ونشره، فأسأل الله أن يبارك في أنفاس عمرهم وأن يُبقي عملهم الصالح فوق الأرض مباركًا نافعًا، وأكرر حمدي وشكري لربي الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة تتجدد.
وكتب
د. ماهر ياسين الفحل
شيخ دار الحديث في العراق
أستاذ الحديث والفقه المقارن
كلية العلوم الإسلامية - جامعة الأنبار
١/محرم/١٤٣٥ من هجرة حبيب الله ﷺ
1 / 8
ترجمة المصنف
توطئة (١): أفاضت المصادر في ترجمة ابن حجر، وتنوعت مظانُّ ترجمته، فتارة مع الحفاظ، وثانية مع القضاة، وثالثة مع المؤرخين، ورابعة مع الأدباء، فلما كان الحافظ ابن حجر ينماز بالمكانة العلمية المرموقة، فقد ترجم له كثير من المؤلفين القدماء، كما عني بعض المحدثين بأخباره ومكانته ومؤلفاته، ومن أوسع التراجم القديمة له: كتاب «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»، لتلميذه السخاوي، فقد أجاد وأفاد، وعلى تصنيفه كان جل اعتماد من ترجم للحافظ ممن جاء بعده، وأما الحديثة فأحسنها كتاب: «ابن حجر العسقلاني ودراسة مصنفاته ومنهجه وموارده في كتابه الإصابة» للأستاذ الدكتور شاكر محمود عبد المنعم الهيتي، ويوجد في مقدمات كثير من الكتب، وهنالك دراسات اهتمت بتراثه منها:
١ - موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية: جمع وإعداد أخينا الدكتور وليد أحمد الحسين وفريقه.
٢ - أنيس الساري: تحقيق الشيخ المحقق: نبيل بن منصور بن يعقوب البصارة، وهو موسوعة ضخمة اعتنت بتخريج الأحاديث والآثار التي أوردها الحافظ ابن حجر في «فتح الباري».
_________
(١) انتفعنا بها من كتاب المسائل النحوية في كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري تأليف د. ناهد بنت عمر بن عبد الله العتيق ١/ ٥٣، وغير ذلك، ومما كتبناه في مقدمة تحقيقنا للنكت على ابن الصلاح ونكت العراقي: ٤٩ - ٥٨.
1 / 9
اسمه ونسبه ونسبته وكنيته.
هو شهاب الدين أبو الفضل، أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن حجر الكناني العسقلاني.
وكنانة: هي قبيلته، وعسقلان (١): هي المدينة التي جاء منها أصوله.
وأما حجر: فهو اسم أحد أجداده أو لقب له واشتهر هو بـ (ابن حجر) وكنَّاه والده أبا الفضل كُني بذلك تشبيهًا بقاضي مكة أبي الفَضْل محمد بن أحمد ابن عبد العزيز العقيلي النويري، ولقب بـ (شهاب الدين) (٢).
ولادته ونشأته:
ولد ابن حجر في الثاني والعشرين من شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة، على شاطئ النيل بمصر ونشأ يتيمًا، حيث مات أبوه وله من العمر أربع سنوات، وكانت أمه قد ماتت قبل ذلك (٣). وقد دخل الكُتَّابَ وهو ابن خمس سنين، وأكمل حفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره، وصلّى بالناس التراويح في الحرم المكي سنة خمس وثمانين وسبع مئة، وله من العمر اثنا عشر عامًا، وكان مع وصيه زكي الدين الخرُّوبي (٤)، وفي سنة ست وثمانين حفظ كُتُبًا من مختصرات العلوم كـ «العمدة»، و«الحاوي الصغير»، و«مختصر ابن الحاجب»، و«الملحة» للحريري، وغيرها (٥).
_________
(١) عَسْقَلان: بفتح أوله، وسكون ثانيه، ثم قاف، وآخره نون: مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر، بين غزة وجبرين، يقال لها: (عروس الشام)، وكان يرابط بها المسلمون لحراسة الثغر. مراصد الاطلاع ٢/ ٩٤٠.
(٢) ينظر: نظم العقيان: ٤٥، وشذرات الذهب ٧/ ٢٧٠، وطبقات الحفاظ: ٥٥٢، وابن حجر ودراسة مصنفاته ١/ ٦٣ - ٧٣.
(٣) رفع الإصر: ١/ ٨٥، وابن حجر ودراسة مصنفاته ١/ ٧٤.
(٤) ينظر: إنباء الغمر ١/ ٣٠٦.
(٥) ينظر: الجواهر والدرر ١/ ١٢٣.
1 / 10
فإنَّه كما كتب بخطه فراجع وذاكر وقرأ وأقرأ، وأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إلى سواء السبيل، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
فأخذ عن مشايخ ذلك العصر، وقد بقي منهم بقايا، وواصل الغدو والرواح إلى المشايخ بالبواكر والعشايا (١).
ولم يكتف بذلك فقط، وإنَّما شدَّ رحال العزم ليشافه الرجال في مختلف الأماكن والبلدان؛ وليحظ بصحبة الجهابذة الأفذاذ الذين وصفهم أبو جعفر المنصور لما قيل له: «هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال: بقيت خصلة أنْ أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث فيقول المستملي: من ذكرتَ رحمك الله؟ قال: فغدا عليه الندماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر، فقال: لستم بهم، إنَّما هو الدَّنسة ثيابهم، والمتشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم بُدُد الآفاق ونقلة الحديث» (٢)، فرحل ﵀ إلى اليمن، والشام والحجاز وغيرها، وأخذ العلم عن مشاهير العلماء في هذه البلدان (٣)، حتى حصّل مالم يحصله أقرانه وندماؤه.
شيوخه:
من أكثر من الطلب أكثر من الشيوخ، ومَنْ تفنن في العلوم لا بد أن تتعدد موارده العلمية فكان للحافظ ابن حجر ميزة على أقرانه بكثرة الشيوخ وتنوع المعارف، فقد تلقى ابن حجر العلم عن شيوخ كثيرين في مختلف العلوم والفنون، وقد خصص لشيوخه كتابين:
الأول: «المجمع المؤسس للمعجم المفهرس» ترجم فيه لشيوخه، وذكر مروياتهم بالسماع أو بالإجازة أو الإفادة عنهم.
_________
(١) ينظر: الجواهر والدرر ١/ ١٢٥ - ١٢٦.
(٢) أدب الإملاء والاستملاء: ٢٥.
(٣) ينظر تفصيل ذلك في: المعجم المؤسس: ٢٥٥، و: ابن حجر ودراسة مصنفاته ١/ ١١٣ - ١٤٠.
1 / 12
والثاني: «المعجم المفهرس»، وهو فهرس لمرويات الحافظ، ذكر فيه شيوخه خلال ذكره لأسانيده في الكتب والمسانيد، والكتابان محققان، وكذلك ذكر شيوخ الحافظ تلميذه النجيب السخاوي في كتابه: «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»، وفصَّل القول عنهم، وقد قسّمهم على ثلاثة أقسام (١):
القسم الأول: فيمن سمع منه الحديث، ولو حديثًا تامًا، وعدة من فيه مائتان وزيادة على ثلاثين نفسًا.
القسم الثاني: فيمن أجاز له، وعدته مائتان وزيادة على عشرين.
القسم الثالث: فيمن أخذ عنه مذاكرة أو إنشادًا، أو سمع خطبته أو تصنيفه أو شهد له ميعادًا، وعدته مائة نفس وزيادة على ثمانين.
فجملة الأقسام الثلاثة ستمائة نفس وأربعة وأربعون نفسًا، بما فيها من الحوالات، وجملتها في الأقسام كلها أربعة عشر نفسًا، فالخالص حينئذ ستمائة وثلاثون، وعلى الرغم من المبالغة في بعض ذلك إلا أنَّه يصفو له الكثير، لا سيما أنَّ المتأخرين لا يتحصل لهم مثل ذلك العدد على خلاف المتقدمين.
وفيما يأتي ذكر لبعض المشهورين منهم:
فمن شيوخه في الحديث:
١ - عبد الرحيم بن الحسين العراقي ت (٨٠٦) هـ (٢).
٢ - علي بن أبي بكر الهيثمي ت (٨٠٧) هـ (٣)، وهو ثالث ثلاثة من أفضل من بقي بعد العراقي.
_________
(١) ينظر: الجواهر والدرر ١/ ٢٠٠ - ٢٤٠.
(٢) ينظر: إنباء الغمر ٥/ ١٧٠، وله ترجمة في طبقات الحفاظ: ٥٣٨، وشذرات الذهب ٧/ ٥٥، وهو صاحب الكتب العظيمة، والمؤلفات النافعة، وقد كتب عنه شيخنا الدكتور أحمد معبد عبد الكريم دراسة وافية، وفي ترجمتنا للعراقي عند تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة ١/ ٣٤ قد ذكرناه في تلاميذ العراقي المشهورين.
(٣) ينظر: الضوء اللامع ٥/ ٢٠٠، وانظر: ترجمته في لحظ الألحاظ: ٢٣٩، وطبقات الحفاظ: ٥٣٨.
1 / 13
ومن شيوخه في الفقه:
١ - عمر بن علي بن الملقن ت (٨٠٤) هـ (١)، وهو صاحب التصانيف الباهرة، والمعرفة الواسعة.
٢ - عمر بن رسلان البلقيني ت (٨٠٥) هـ (٢).
٣ - محمد بن علي بن محمد بن القطّان المصري.
٤ - علي بن أحمد الأدمي (٣).
٥ - إبراهيم بن موسى الأبناسي ت (٨٠٢ هـ)، صاحب العلم الغزير، والقلب الرحيم الذي كان يحسن إلى طلبته ويجمعهم على التفقه، ويرتب لهم ما يأكلون، ويسعى لهم في الأرزاق (٤).
ومن شيوخه في العربية:
١ - محمد بن محمد الغماري ت (٨٠٢) هـ (٥).
٢ - مجد الدين بن محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ت (٨١٧) هـ (٦).
٣ - أبو الفرج الغزِّي (٧).
_________
(١) ينظر: الضوء اللامع ٦/ ١٠.
(٢) ينظر: الضوء اللامع ٦/ ٨٥ - ٨٦، وهو شيخ وقته، وإمام عصره، كان أحفظ الناس في الفقه الشافعي، انتهت إليه المشيخة في الفقه في وقته، وعلمه كان كالبحر الزاخر ولسانه أفحم الأوائل والأواخر.
(٣) ينظر: الجواهر والدرر ١/ ١٢٩.
(٤) ينظر: الجواهر والدرر ١/ ١٢٨، وإنباء الغمر ٢/ ١١٢.
(٥) ينظر: إنباء الغمر ٤/ ١٨١.
(٦) ينظر: بغية الوعاة ١/ ٢٧٣.
(٧) ينظر: بغية الوعاة ١/ ٢٧٣.
1 / 14
ومن شيوخه في القراءات:
١ - إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخي ت (٨٠٠) هـ (١).
٢ - شيخ القراءات محمد بن محمد بن محمد الدمشقي الجزري ت (٨٣٣) (٢).
٣ - أحمد بن محمد بن علي الخيوطي المصري ت (٨٠٧ هـ) (٣).
ومن شيوخه في أصول الفقه:
محمد بن علي بن محمد بن عيسى بن محمد بن أبي بكر القطّان المصري.
وظائفه:
تقلَّد الحافظ وظائف متعددة وهي:
١ - التدريس: تولى تدريس التفسير والحديث والفقه في مدارس كثيرة منها (المدرسة الجمالية) و(المدرسة الشريفية) و(المدرسة الحسنية) وغيرها.
وقد أملى من خلال هذه الوظيفة أكثر من ألف مجلس حديثي (٤).
٢ - الإفتاء: تولى منصب الإفتاء أكثر من ثلاثين سنة، فقد ولي إفتاء دار العدل في سنة إحدى عشرة وثمانمائة.
٣ - القضاء: تولى القضاء مدة تزيد على إحدى وعشرين سنة.
٤ - المشيخة: كان ﵀ قد ولي مشيخة البيبرسية ونظرها، وبعد عزله منها حوّل مجلس إملائه إلى الكاملية، وأمر بتبيضها ثم أُعيد إلى الخانقاه على جاري عادته في أوائل ربيع الثاني في سنة اثنتين وخمسين وعاد الإملاء بها.
_________
(١) ينظر: إنباء الغمر ٣/ ٣٩٨.
(٢) ينظر: المجمع المؤسس: ٢١.
(٣) ينظر: المجمع المؤسس:٣/ ٧٠.
(٤) ينظر: نظم العقيان: ٤٦، وابن حجر ودراسة مصنفاته ١/ ٢٠٥ - ٢٢٧.
1 / 15
وهناك وظائف أخرى كالخطابة بالجامع الأزهر، وجامع عمرو بن العاص ﵁، وخزن كتب المدرسة المحمودية وغير ذلك (١).
أسرته:
تزوج الحافظ -رحمه الله تعالى- سنة ٧٩٨ هـ أولى زوجاته أُنس ابنة القاضي كريم الدين عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز النستراوي الأصل المصري، تزوجها بإشارة وصيِّه العلامة ابن القطّان، فحصل لها بواسطة ذلك خير كثير.
واستولدها صاحب الترجمة عدّة أولاد، زين خاتون، وفرحة، وغالية، ورابعة، وفاطمة، ولم يأت منها بذكر قط، نعم كانت تجيء بين كل بطنين بسقط ذكر.
فالأولى اعتنى بها أبوها فاستجاز لها، وأسمعها على شيخه العراقي والهيثمي، وأحضرها على ابن خطيب في الثالثة الجزء الثالث من أول «حديث المخلص» وتزوجها الأمير شاهين العلائي الكركي، فولدت له أحمد وعزيزة وأبا المحاسن يوسف، كلهم ماتوا في حياة أمهم إلا يوسف المعروف بسبط ابن حجر فنشأ عزيزًا مكرمًا في حجر جدَّيه، واستجيز له غير واحد من المسندين، وقرأ عليه «البخاري» و«التقريب» و«النخبة» داخل البيت وغيرها كثير.
والثانية (فرحة) تزوجها شيخ الشيوخ محب الدين ابن الأشقر الذي ولي نظر الجيش وكتابة السر، وكان أحد أعيان الديار المصرية، ولدت له ولدًا مات صغيرًا في حياة أمه.
والثالثة (غالية)، والخامسة (فاطمة): ماتتا بالطاعون في ربيع الأول سنة ٨١٩ هـ مع بعض عيال أبيهما.
_________
(١) ينظر: الضوء اللامع ٢/ ٣٩، وابن حجر ودراسة مصنفاته ١/ ٢٤٧ - ٢٥٠.
1 / 16
والرابعة (رابعة): ولدت سنة ٨١١ هـ أسمعها والدها على المراغي بمكة سنة ٨١٥ هـ وأجاز لها جمع من الشاميين والمصريين، وتزوجها الشهاب أحمد بن محمد بن مكنون، ودخل بها بكرًا، فولدت منه بنتًا أسماها غالية، ماتت في حياتهما، ثم مات زوجها سنة ٨٢٩ هـ فتزوجها المحب بن الأشقر المذكور أيضًا، واستمرت حتى ماتت عنده في سنة ٨٣٢ هـ.
إنَّ صاحب الترجمة لما رأى كثرة ما تلده أمُّ أولاده من الإناث وأحبَّ أن يكون له ولد ذكر، ولم يمكنه التزويج مراعاة لخاطرها، اختار التسري، وكانت لزوجته جارية جميلة، يقال: إنها ططرية، اسمها خاص تُرك، فوقع في خاطره الميل إليها، فاقتضى رأيه الشريف أن أظهر تغيظًا منها بسبب تقصيرها وحلف أنَّها لا تقيم في منزله فبادرت زوجته في بيعها بأي ثمن كان، فأرسل الحافظ ابن ضياء الحنبلي فاشتراها له بطريق الوكالة، وأقامت في بعض الأماكن، حتى استبرأها ثم وطئها فحملت بولده القاضي بدر الدين أبي المعالي محمد.
كان مولده سنة ٨١٥ هـ، فأشغله والده بحفظ القرآن فختمه، وصلى بالناس على جاري العادة سنة ٨٢٦ هـ بالخانقاه الركنية البيبرسية، وهو الذي صنَّف له الحافظ «بلوغ المرام» لكنَّه ما تيسر له حفظه (١)، بل حفظ يسيرًا منه ومن غيره، وكتب عن والده كثيرًا من مجالس العلم، واشتغل بالقيام بأمر القضاة والأوقاف ونحوها حتى فاق.
ومن زوجات الحافظ عتيقة العلامة نظام الدين يحيى بن سيف الدين الصِّيرامي
_________
(١) مع كون ابن ابن حجر لم يحفظ الكتاب إلى أنَّ عددًا كبيرًا من الناس حفظ الكتاب، ومازال الناس يهتمون بهذا حفظًا وتدريسًا وتعلمًا.
1 / 17
شيخ الظاهرية، تزوجها في مجاورة أم أولاده في سنة أربع وثلاثين، ورُزق منها ابنةً في سنة خمس وثلاثين، وهي بقاعة المشيخة بالبيبرسية، سمَّاها آمنة.
ومن زوجاته كذلك ليلى ابنة محمود بن طوغان الحلبية، تزوجها حيث سافر مع الأشرف إلى آمد في سنة ست وثلاثين، وكانت ذات ولدين بالغين، واستمرت معه إلى أنْ سافر من حلب، ففارقها، لكنَّه لم يُعلمها بالطلاق، وإنَّما أسرَّه لبعض خواصه والتمس منه أنْ لا يعلمها بذلك إلا بعد مُضيِّ المدة التي كان عجَّل لها النفقة عنها عند سفره.
وأعلمها بأنَّ الحامل له على الطلاق الرِّفق بها لئلا تختار الإقامة بوطنها أو يحصل لها نصيبها، فلا تتضرر بشبكته (١).
تلاميذه:
أما تلامذته، فقد توافدوا على مجالسه من كل حدب وصوب حتى ضاقت مجالسه، وامتلأت بجموعهم مدارسه، وقد أخذوا عنه من أقطار شتى وأماكن
مختلفة (٢)، ومن أبرزهم وأشهرهم:
١ - ابن فهد المكي، تقي الدين محمد بن محمد ت (٨٧١) هـ (٣).
٢ - محمد بن سليمان الكافيجي ت (٨٧٩) هـ (٤).
٣ - برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي ت (٨٨٥) هـ (٥).
_________
(١) ينظر: الجواهر والدرر ٣/ ١٢٠٧ - ١٢٢٦.
(٢) ينظر: الضوء اللامع ٢/ ٣٩، وابن حجر ودراسة مصنفاته ١/ ١٦٧ - ١٧٩.
(٣) ينظر: نظم العقيان: ١٧٠.
(٤) ينظر: الضوء اللامع ٧/ ٢٥٩.
(٥) ينظر: نظم العقيان: ٢٤، وقد ترجمناه بترجمة متوسطة في تحقيقنا للنكت الوفية ١/ ٩ - ٢١.
1 / 18
٤ - محمد بن محمد الخيضري ت (٩٠٢) هـ (١).
٥ - محمد بن عبد الرحمان السخاوي ت (٩٠٢) هـ (٢).
٦ - زكريا بن محمد الأنصاري ت (٩٢٦) هـ (٣).
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
الداخل في كتب العلم تجاه هذه الفقرة يجد العجب العجاب، فهذا الذي لا يمكن تعداده ولا يُستطاع حصره، لكني ذكرت من ذلك حسب الإيجاز خشية الإطالة، فمنها:
١ - كتب الحافظ العراقي على «لسان الميزان» ما صورته: كتاب «لسان الميزان» تأليف الحافظ المتقن، الناقد، الحجة، شهاب الدين أحمد بن علي الشافعي، الشهير بابن حجر، نفع الله بفوائده وأمتع الله بعوائده (٤).
٢ - كتب العلامة تقي الدين أبو بكر الدجوي على بعض تخاريج الحافظ ما صورته: لقد بهر ابن حجر بفضله العقول والأفكار، كما فاق حَجَرُهُ الياقوت بل غيره من الحجّار «وإنَّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار» فإنَّه جمع فأوعى، وأوعب جمعًا وأبدع لفظًا ومعنىً، وجمع إحسانًا وحسنًا، فلو شاهد حسنه الجمالُ المزيُّ لأطنب في الثناء وأسهب، أو الذهبيُّ لذهب في الإعجاب كل مذهب، أو ابنُ عبد الهادي لاهتدى به واقتفى أثره، أو ابن كثير لكاثر ببعضه واستكثره،
_________
(١) ينظر: الضوء اللامع ٩/ ١١٧.
(٢) ينظر: نظم العقيان: ١٥٢.
(٣) ينظر: نظم العقيان: ١١٣، وقد ترجمناه بترجمة متوسطة في تحقيقنا لفتح الباقي ١/ ٣٦ - ٦٦.
(٤) ينظر: الجواهر والدرر ١/ ٢٧٠.
1 / 19
فشكرًا لهذا الإمام شكرًا، فلقد جمَّل مصره، وجدد لها في الحفاظ ذكرًا، أوزعه الله شكر ما حمله، كما زيَّن به عصره ومصره وجمَّله (١).
٣ - كتب العلامة كمال الدين الشُمُنّي في خطبة (شرحه للنخبة) ما نصه: فإنَّ الكتاب المسمى بـ «نخبة الفِكَر في مصطلح أهل الأثر» من مصنفات الشيخ الإمام مفتي الأنام، مالك ناصية العلوم وفارس ميدانها، وحائز قصب السبق في حَلبة رهانها، الوارد من فنون المعارف أنهارًا صافية، اللابس من محاسن الأعمال ثيابًا ضافية، حافظ السنة من التحريف والتبديل، المرجوع إليه في علمي التجريح والتعديل، وحيد دهره في الحفظ والاتقان، فريد عصره في النباهة والعرفان، فيلسوف علل الأخبار وطبيبها، إمام طائفة الحديث وخطيبها (٢).
٤ - قال ابن تغري بردي في بيان صفاته: «شيخ الإسلام، حافظ المشرق والمغرب أمير المؤمنين في الحديث، علّامة الدهر، شيخ مشايخ الإسلام، حامل لواء سنة سيد الأنام، قاضي القضاة (٣) أوحد الحفاظ والرواة، شهاب الدين أبو الفَضْل أحمد بن الشيخ علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة، العسقلاني الأصل، الشافعي، قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها وحافظها وشاعرها ... لم يخلف بعده مثله شرقًا ولا غربًا، ولا نظر هو في مثل نفسه في علم الحديث.
_________
(١) ينظر: الجواهر والدرر ١/ ٢٧٣.
(٢) نتيجة النظر في نخبة الفكر للشمني: ٣٦. وينظر: الجواهر والدرر ١/ ٢٧٩ - ٢٨٠.
(٣) ينظر كتاب العلامة الشيخ بكر أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية: ١١٤، في حكم التلقيب بهذا اللقب.
1 / 20
وكان -رحمه الله تعالى- إمامًا عالمًا حافظًا شاعرًا أدبيًا مصنّفًا مليح الشكل منور الشيبة، حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية عذب المذاكرة، مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودرية بالأحكام ومداراة الناس، قلَّ أنْ كان يخاطب الرجل بما يكره، بل كان يحسن إلى من يسيء إليه (١)، ويتجاوز عمن قدر عليه هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات، وبالجملة فإنَّه أحد من أدركنا من الأفراد» (٢).
وقال ابن فهد: «لم ترَ العيون مثله، ولا رأى مثل نفسه» (٣).
أوصافه الخُلُقية:
قد عُرِف -رحمه الله تعالى- بتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وأموره كلها، وعُرف في ضبط لسانه مما يشهد لورعه، حتى في الدعاء على من ظلمه (٤)، وعرف بسعة حلمه وصدره وحسن سياسته والإعفاء عن من يؤذيه، لاسيما مع القدرة على الانتقام، بل
_________
(١) اقتدى بذلك بشيخه العراقي ﵀ إذ ذكر في المجمع المؤسس: ٢٥٧ صفاته فقال: «... قلَّ أن يواجه أحدًا بما يكرهه ولو آذاه».
(٢) النجوم الزاهرة ١٥/ ٥٣٢.
(٣) لحظ الألحاظ: ٣٣٦.
(٤) الذي نعتقده وندين الله به عدم جواز دعاء المسلم على أخيه المسلم بالسوء؛ لأنَّه إثم، وقد نهينا عن الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم؛ لأنَّ فيه معنى الحسد، ولأنَّه يخالف مسألة من مسائل الإيمان، وهي وجوب حب الخير للغير من أهل الإيمان، ولأنَّ كل واحد من المختلفين يظن نفسه مظلومًا، ولأنَّه بخلاف الصبر الذي أمرنا به، ولأنَّ فيه تخطيًا للسنَّة الإلهية في كون بعضنا لبعض فتنة، ولأنَّها خطوة من خطوات إبليس تجرُّ إلى الحقد، ثم إنزال الضرّ بالمسلم، وما جاء عن ابن عباس في هذا فهو اجتهاد منه لا نوافقه عليه، فإن أراد أن يدعو المسلم، فيدعو بكف الظلم عن نفسه، ويدعو بأن يجعل الله حسيبه.
1 / 21
يحسن لمن أساء إليه، ويتجاوز عن من قدر عليه، وعدم سرعة غضبه ما لم يكن في حق الله تعالى وحق رسوله ﷺ، وعُرف كذلك بصبره على المحن والحوادث البدنية والمالية، وأنَّه غاية في السماحة والسخاء والبذل مع قصد خفاء ذلك، وشفقته على خلق الله تعالى وإحسانه للغرباء، ولا سيما أهل الحرمين، وابتكاره لهم في أوقافهم المستجد والقدوم، مما كثر الترحم عليه بسببه، وتميز ببره لشيوخه وأبناءهم، بل بطلبته وأصحابه وخدمه، وتميز كذلك عن كافة أهل عصره لمزيد التبسط في عارية الكتب، وحسن عشرته وتواضعه وحلو محاضرته وشدة خوفه من الله تعالى، وجمع العمل مع العلم (١)، وغيرها من الأوصاف الحميدة، فلله دره.
وفاته:
وبعد حياة حافلة في التعلم والتعليم فاضت الروح الطاهرة إلى بارئها وانتقلت إلى جوار ربها الكريم، ففي ليلة السبت الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمئة فارقت الروح هذا الجسد الذي طالما أضناه التعب في سبيل خدمة هذا الدين.
وحضر تشييعه جمع كبير من أهل القاهرة، ودُفن في القرافة الصغرى (٢).
وقبره الآن يقع على مسافةٍ تقدر بحوالي (١٥٠٠ م) من مقام الإمام الشافعي، ذكر ذلك الدكتور شاكر محمود عند زيارته له (٣).
ولفقد هذا العَلَم الكبير أنَّتِ الأقلامُ والكتبُ، ورثاه المحبون، وممن رثاه
_________
(١) الجواهر والدرر: ٣/ ٩٧٩ - ٩٨٠.
(٢) المصدر السابق.
(٣) ابن حجر ودراسة مصنفاته: ١٩١.
1 / 22
تلميذه البقاعي (١) بقصيدة مطلعها:
رزء ألَمَّ فقلتُ الدهر في وهج ... وأعقل الناس منسوبًا إلى الهرجِ (٢)
مؤلفاته
يعد الحافظ ابن حجر من المكثرين في التصنيف، إذ له من المؤلفات والتحقيقات ما يزيد على مئتين وسبعين مؤلفًا، وهي متفاوتة في أحجامها فمنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير، ويغلب عليها التصنيف في الحديث والجرح والتعديل. وقد استقصاها تلميذه السخاوي (٣)، وعدد من الباحثين المعاصرين (٤)، وفصّلوا القول فيها، فبينوا مطبوعها من مخطوطها من مفقودها، ولا داعي لتكرار ما ذكره الباحثون من سرد مؤلفاته، ولكنني سأكتفي ببعض ذلك:
١ - إتحاف المهرة (٥).
٢ - الإصابة في تمييز الصحابة (مطبوع في أربع مجلدات).
٣ - إنباء الغمر بأبناء العمر (مطبوع).
٤ - بلوغ المرام (طبع عدة طبعات)، وهذه طبعتنا نسأل الله القبول.
٥ - تبصير المنتبه في تحرير المشتبه (مطبوع في أربع مجلدات).
_________
(١) برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي ت (٨٨٥ هـ)، وفي تحقيقي لكتابه النكت الوفية ١/ ١٢ - ١٤ ترجمت للحافظ ابن حجر في شيوخه. ومما يذكر هنا أنَّ البقاعي رثى نفسه في حياته لموته، مقدمة النكت الوفية ١/ ٢٠ - ٢١.
(٢) لحظ الألحاظ: ٣٣٩.
(٣) الجواهر والدرر:٢/ ٦٦٠ - ٦٩٥.
(٤) منهم الأستاذ الدكتور شاكر محمود الهيتي في كتابه: ابن حجر ودراسة مصنفاته ١/ ٢٥٥ - ٦٨٧، والدكتور الفاضل عبد الحكيم الأنيس في مقدمته للعجاب: ٤٠ - ٥٢.
(٥) طبع في الجامعة الإسلامية ابتدءًا من عام ١٩٩٤ وحتى عام ٢٠٠٢.
1 / 23
٦ - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة (مطبوع).
٧ - تغليق التعليق (مطبوع في أربع مجلدات).
٨ - التلخيص الحبير (طبع عدة طبعات).
٩ - تهذيب التهذيب (طبع عدة طبعات، أولها في الهند في اثني عشر مجلدًا).
١٠ - الدراية في تلخيص تخريج أحاديث الهداية (مطبوع).
١١ - فتح الباري شرح صحيح البخاري (مطبوع في سبعة عشر مجلدًا).
١٢ - لسان الميزان (مطبوع في سبع مجلدات).
١٣ - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (مطبوع في خمس مجلدات).
١٤ - نزهة الألباب في الألقاب (مطبوع في مجلدين) (١).
١٥ - القول الثبت في الصوم يوم السبت (٢).
أوهام الحافظ في الكتاب
١ - وعلى الرغم من أنَّ الكتاب مختصر -كما ذكر ذلك مؤلفه- إلا أنَّه ساق بعض الأحاديث على جهة الاختصار كما في الحديث رقم (١) (٣) و(٩) و(٩٠) (٤).
٢ - أهمل أشياء لا بد من التنبيه عليها كما في الحديث رقم (١٠)، وأهمل الكلام على زيادة «فليرقه» وهي شاذة، وكما في زيادة: «أخراهن أو أولاهن بالتراب» في الحديث نفسه، والأولى أنْ يذكر الترجيح، ولم ينبه على الإدراج الوارد في الحديث (٤٣)
_________
(١) استفدنا في هذا المبحث كثيرًا مما كتبه المحدَثونَ، كالدكتور شاكر محمود الهيتي والدكتور عبد الحكيم الأنيس في دراسته للعجاب، والدكتور ربيع بن هادي عمير في دراسته للنكت.
(٢) وقد ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه «فتح الباري» ١٣/ ٤٣٠ عقب (٥٩١٧)، وهذا الكتاب مهم في بابه، وقد ألمح الحافظ إلى فوائد وعوائد فيه.
(٣) سببه تقليده لصاحب المحرر.
(٤) ولعله قلد صاحب الإلمام.
1 / 24