ثالثا: علم الجرح والتعديل ومن ثمار هذه الجهود المباركة علم الجرح والتعديل أو علم ميزان الرجال، وهو علم يبحث فيه عن أحوال الرواة وأمانتهم وثقتهم وعدالتهم وضبطهم أو عكس ذلك من كذب أو غفلة أو نسيان، وهو علم جليل من أجل العلوم التي نشأت عن تلك الحركة المباركة لا نعرف له مثيلا أيضا في تاريخ الأمم الأخرى، وقد أدى إلى نشأة هذا العلم حرص العلماء على الوقوف على أحوال الرواة، حتى يميزوا بين الصحيح من غيره، فكانوا يختبرون بأنفسهم من يعاصرونهم من الرواة ويسألون عن السابقين ممن لم يعاصروهم، ويعلنون رأيهم فيهم دون تحرج ولا تأثم إذ كان ذلك ذبا عن دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل للبخاري: إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ يقولون: فيه اغتياب الناس فقال:"إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"بئس أخو العشيرة".وقد ابتدأ الكلام عن الرواة توثيقا منذ عصر صغار الصحابة كابن عباس (-68ه) وعبادة بن الصامت (-34ه) وأنس بن مالك (-93ه) ثم من التابعين: سعيد بن المسيب (-93ه) والشعبي: (-104ه) وابن سيرين: (-110ه) والأعمش (-148ه) ثم تتالى الأمر، فنظر في الرجال شعبة (-160ه) وكان مثبتا لا يروي إلا عن ثقة، والإمام مالك (-179ه). ومن أشهر علماء الجرح والتعديل في هذا القرن الثاني معمر (-154ه) وهشام الدستوائي (-154ه) والأوزاعي (-157ه) والثوري (-161ه) وحماد بن سلمة (-167ه) والليث بن سعد (-175ه) ونشأ بعد هؤلاء طبقة أخرى كعبدالله بن المبارك (-167ه) والفزاري (-185ه) وابن عيينة (-198ه) ووكيع بن الجراح (-197ه) ومن أشهر علماء هذه الطبقة يحيى بن سعيد القطان (-198ه) وعبد الرحمن بن مهدي (-198ه) وكانا حجتين موثوقين لدى الجمهور فمن وثقاه قبلت روايته، ومن جرحاه ردت، ومن اختلف فيه رجع الناس إلى ما ترجح عندهم(¬1).
Halaman 24