ثانيا: التوثق من الأحاديث وذلك بالرجوع إلى الصحابة والتابعين وأئمة هذا الفن، فلقد كان من عناية الله بسنة نبيه أن مد في أعمار عدد من أقطاب الصحابة وفقهائهم ليكونوا مرجعا يهتدي الناس يهديهم ، فلما وقع الكذب لجأ الناس إلى هؤلاء الصحبة يسألونهم ما عندهم أولا: ويستفتونهم فيما يسمعونه من أحاديث وآثار. روى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن أبي مليكه قال: " كتبت إلى ابن عباس أن يكتب لي كتابا ويخفي عني فقال: ولد ناصح أنا اختار له الأمور اختيارا وأخفي عنه، قال فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء ويمر بالشيء، فيقول: والله ما قضي بهذا علي إلا أن يكون قد ضل" ولهذا الغرض أنه كثرت رحلات التابعين بل بعض الصحابة أيضا من مصر إلى مصر ليسمعوا الأحاديث الثابتة من الرواة الثقاة، وقد تقدم لك سفر جابر بن عبدالله إلى الشام، وأبي أيوب إلى مصر لسماع الحديث. ويقول سعيد بن المسيب: إني كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد وحدث الشعبي مرة بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لمن حدثه به:" خذها بغير شيء قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة" ويقول بشر بن عبدالله الحضرمي: إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في طلب الحديث الواحد لأسمعه.
ثالثا: نقد الرواة
وبيان حالهم من صدق أو كذب. وهذا باب عظيم وصل منه العلماء إلى تمييز الصحيح من المكذوب والقوي من الضعيف. وقد أبلوا فيه بلاء حسنا. وتتبعوا الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم وما خفي من أمرهم بهم ورع ولا حرج. قيل ليحيى بن سعيد القطان:"أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة ؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لم لم تذب الكذب عن حديثي ؟". وقد وضعوا لذلك قواعد ساروا عليها فيمن يؤخذ منه ومن لا يؤخذ، ومن يكتب عنه ومن لا يكتب.
Halaman 15