ومن السنة كذلك التعجيل بدفن الميت (١) . ومما يؤكد أن المسلمين عملوا بدفنهم في مكان مصرعهم، ما رواه سعيد بن منصور (٢)، من حديث سعيد ابن أبي هلال، الذي نصه: "وبلغني أنهم - أي المسلمين يوم مؤتة - دفنوا يومئذ زيدًا وجعفرًا وابن رواحة في حفرة واحدة". وقد روى البخاري قصة استشهاد القواد الثلاثة يوم مؤتة بإسناد متصل إلى عبد الله بن عمر ﵁ أحد من شارك في المعركة - وهو إسناد سعيد بن منصور نفسه، ولكن بدون الزيادة المذكورة بلاغًا عند ابن منصور. والبلاغ من أقسام الضعيف عند علماء الحديث، ولكن يشهد لصحة بلاغ سعيد بن أبي هلال ما ثبت في السنة من دفن الشهداء في مكان استشهادهم، جماعةً، وما تؤكده آثار المقابر بالمدينة المنورة، إذ ليس بينها مقابر هؤلاء القادة الثلاثة، ولم يرد خبر يعارض ما ذكرناه.
لم يكن بودلي وحده من بين المستشرقين ممن تخبط في مسألة مكان دفن شهداء مؤتة، فها هو شيخه درمنجهم (٣) يزعم أن المسلمين عندما رجعوا من سرية مؤتة حملوا معهم إلى المدينة جثمان جعفر بن أبي طالب. ولعل هذا الزعم هو مصدر بودلي، فزاد عليه ما زاد كعادة بعض المستشرقين.