316

Bismarck: Kehidupan Pejuang

بسمارك: حياة مكافح

Genre-genre

وتشتد عزيمة زعماء المحافظين بأنباء ذلك الخصام، فيبدءون من الغد بمعارضة القانون المضاد للاشتراكيين والذي هو من وضع بسمارك مصوتين ضده مقوضين قبل الانتخابات ذلك الائتلاف الذي استند إليه بسمارك ثلاث سنين مجردين إياه من أكثريته، وفي اليوم نفسه يهز الإمبراطور جمع كفه أمام وزير الحربية متوعدا قائلا: «عدتم لا تكونون وزرائي، بل وزراء الأمير بسمارك! وقد بدوتم كأنكم ضربتم بالسوط! هو قد غرس كرسيه أمام بابي!» وفي اليوم نفسه يستلقي بسمارك فوق المتكأ محطما لابسا مبذله، فيقول لرئيس المستشارية الإمبراطورية: «أرى الإمبراطور متجافيا عني مصغيا إلى أناس كدوغلاس، وأرى زملائي قد هجروني»، وابنه بيل وحده هو الذي جرؤ على نصحه بالاستقالة، وبيل هذا قال لصديق له: «عاد والدي لا يعرف الضرب كما في الماضي.»

ذلك صواب؛ فالآن يبدأ دور التردد الذي يدوم حتى النهاية، الذي يدوم سبعة أسابيع، وإلى الآن كان يتعذر وقوع مثل هذا التردد؛ لما اتفق لبسمارك من عزم حديدي وذكاء مرن، ويلوح أن كل شيء يتوقف على الانتخابات التي يتمناها ويخشاها معا، ويجتمع في غد الاجتماع الموصوف آنفا بزملائه الحيارى الذين بدوا فيه لطفاء سمحاء، فيقول لهم: «تتقلب أهواء كل عاهل كتقلب الجو، وتظلون مبللين ولو اتقيتم بمظلة، وأبجل في الإمبراطور نسبه وكونه مولاي وإن كان يؤسفني وضعه، ولا يمكننا أن نغضي عن تأليف عصبة

1 ... ويبدو لي الاستسلام.» ويرى اعتزال وزارة التجارة، ويدع أحد مقربي الإمبراطور يحل محله، ويفوض إلى بوتيشر أن يضع مشروعا للمراسيم المرغوب فيها، وينبئ بأنه سيقتصر على وزارة الخارجية، وبأنه قد يكتفي بمستشارية الإمبراطورية، ويبدو تفاهم في عيد ميلاد الإمبراطور مع تبادل ولاء.

بيد أن الوضع يتوتر في شهر فبراير، فتكثر الدسائس، ويرى تغير في مزاج بسمارك الشيخ فيدع نفسه تسير مرة أخرى، ويحاول أن يؤثر في زملائه ضد المراسيم الاجتماعية، وينتحل بوتيشر وجه البلاطي فيذكر أن كل قرار سلبي يسيء الإمبراطور، فيعنفه بسمارك علنا بقوله: «أرى من الخيانة أن يبصر الوزراء المسئولون مولاهم يسلك طريقا خطرة على الدولة فلا يجهرون بمخالفتهم إياه، ولو كان عملنا مقتصرا على تنفيذ رغبة الإمبراطور لكفى ثمانية موظفين عاديين للقيام مقام الوزراء الحاليين.» وتهيأ المراسيم في نهاية الأمر، ويود بسمارك أن يجس في الاجتماع نبض الإمبراطور فيقول: «أخشى ألا أكون عقبة في طريقكم.» فيلزم الإمبراطور جانب الصمت من غير مناقضة، حتى إن هذا لم يكن عند بسمارك من القوة ما يعد به تلميحا كافيا.

وبسمارك يحاول عبثا أن يحمل زملاءه على الاحتجاج، ولما أعرب لهم عن عزمه على اعتزال بعض وظائفه كان السكوت جوابهم، ويقول بسمارك لابنه بعد ذلك: «تنفس جميعهم الصعداء؛ لما لاح من خلاصهم مني بعض الخلاص!»

ويرى بسمارك ما واثبهم من سرور خبيث فيروي أنه رأى ركوب متن العناد متحديا فأقلع عن عزمه على ترك بعض وظائفه، وبذلك يغضب الإمبراطور الذي كان قد سر بعزم بسمارك على ذلك، وهنالك تقع مباراة بين هذين الخصمين، ويرى أيهما يقصر في العدو، وكلاهما يشعر بتعذر دوام الأمر على ذلك المنوال، وكل منهما يريد إلقاء تبعة التصدع على الآخر، ولا يغامر الإمبراطور في تسريح بسمارك، ولا يريد بسمارك الانصراف إلا بصرفه، ويفضل أن يبقى حيث هو لما يرى في استعفائه مختارا ما يرتاح له الإمبراطور، وهكذا يتباغض الرجلان بين البقاء والانتقال، وهكذا يشابه وضعهما وضع الزوجين عند تفكك عقدة زواجهما ورغبة أحدهما في الانفصال وخشية الآخر من الانفصال مع عدم إقدام أي واحد منهما على اتخاذ خطوة حاسمة في الأمر.

ولا ينشد بسمارك إيماء لطيفا ولا تعظيما رفيعا، وإنما يود الكفاح لما فطر عليه من عناد، وهو إذ أبصر تعذر النصر في هذه المرة صار لا يبحث عن سوى هزيمة خصمه أدبيا، ويملأ بغضا وغيرة فيتمسك حتى بأصغر حقوقه، ومن ذلك أن ثار غضبا عندما أصدر أمين السر الثاني بتوقيعه دعوة إلى مستشار في مجلس الدولة بدلا من عرضها عليه ليمضيها، ويرقب ما يسير عليه خصومه من طرق ملتوية، ويبصر وجود مكايد حيث لا تحاك مكايد، ويعد فيكتورية مصدر وحي هنزبتر فيقول: «إن هنزبتر مسدس تعبئه فيكتورية التي هي أقدر شخص، فتستعمله للتأثير في الإمبراطور.» وهو في الوقت نفسه يتذلل بما لا عهد له به فيزور فيكتورية ويقول لها شاكيا إنه عاد غير ملائم للوقت منتظرا عبثا ردها ذلك عليه، وما كان جوابه عند سؤالها إياه عما يمكنها أن تصنعه له إلا قوله: «لا أرغب في غير قليل عطف!» ولو كان ما نعرفه من تاريخ ذلك الدور سوى هذه الكلمة لقلنا إنه شيخ خطف من فمه خبز الحياة!

والواقعي الصنديد بسمارك كان في ذلك الوقت قادرا على التفكير في الأمر بأسره مع ذلك، وبسمارك في شهر فبراير وضع مشروع تقاعده، ويفضي إلى جميع السفراء بحقائق البلد عالما أنهم يسجلونها فيما يرسلونه من التقارير إلى البلاط، وإلى الإمبراطور الذي لم ييأس من استمالته، ويقول بسمارك لسفير سكسونية: «والخلاصة هي أن الإمبراطور يسأل أحد ضباط الفرسان عن رأيه في حل المعضلة الاجتماعية ثم يريد فرض رأي هذا الضابط علي، وهو يتلهف على الهتاف له قلبا وقالبا، ولكنه ليس ذا حظوة عند الطبقات الموسرة لتبنيه قضية طبقات العمال، وأبصر قرب الوقت الذي لا يعتمد فيه على الجيش أيضا فيبدو مصير ألمانية واضحا لكل ذي عينين.» وهكذا ترى ذهنه يترجح بين الأمور الكبيرة والأمور الصغيرة في تلك الأسابيع المترنحة.

والقول الفصل للانتخابات، وبينما كانت الحامية مذعورة من رب الحرب فتسير صاخبة إلى ميدان تنبلهوفر كانت كتائب العمال تمشي صامتة إلى صناديق الانتخابات، واليوم تنتقم لنفسها من عنف عشرة أعوام، واليوم تتحقق نبوءة ليبكنخت الحديثة، وهي: «وماذا اكتسبتم بعد أحد عشر عاما؟ اعترف كل إنسان في مؤتمر باريس بأن الديمقراطية الاجتماعية الألمانية أقوى منظمات العالم وأحسنها، أردتم خنقنا، ولكنكم أوجبتم تقويتنا، وما هي ألمانية بغير عمالها، ألا إن العالم عرف فكرة جديدة، ألا إن العالم عرف ثورة جديدة، فإذا أردتم مقاومة روح الوقت وقعت الواقعة لا محالة!»

واليوم يبلغ الحزب الاشتراكي الديمقراطي من الشأن ثلاثة أضعاف ما كان عليه، واليوم يبلغ عدد الأصوات الحمر مليونا ونصف مليون من سبعة ملايين، واليوم يبلغ عدد الأصوات ضد بسمارك أربعة ملايين ونصف مليون.

Halaman tidak diketahui