Anak Perempuan Konstantin
بنت قسطنطين
Genre-genre
وثاب إلى نفسه بعد هنيات، فدعا حاجبه إليه وقال له: قدم أسارى الروم إلى السيف.
وبسطت الأنطاع،
1
وقام على رأس كل أسير حرسي بسيفه، وأخذت الرءوس تتهاوى عن أجسادها، ومسلمة يشهد، قد اشتفت نفسه مما تجد ...
وقدم إلى السيف شيخ حطمة، قد بلغ الثمانين أو قاربها، وهم الجلاد أن يرمي رأسه حين رفع الشيخ يده قائلا: كف! إن لي حديثا إلى الأمير ...
وسيق الشيخ إلى حيث كان مسلمة، فقال: يا ولدي! - اخرس! يتم ولدك. - هل لك في صفقة رابحة، فتبيعني رأسي برجلين عربيين؟ - رجلين عربيين؟ - نعم، في الأسر عندي منذ سنين، ولعلهما من السادة، فإن شئت عفوت عن شيخ حطمة لا يحمل سيفا ولا يدفع غارة، واستنقذت أسيرين من قومك. - جئ بهما. - فيسمح لي الأمير أن أذهب إلى أهلي فأعود بهما. - تحتال حتى تفر بدمك! - ليس الغدر من طبعي! - ولم يكن من طبع إليون القيصر؟ - ذاك ابن إسكاف لا يمت بعرق إلى أسرة نبيلة. - وتمت أنت إلى قسطنطين الأكبر؟ - ليس الكذب من طبعي. - أمفاخرة في هذا المقام يا ابن الغادرة؟ - لم تغدر أمي قط. - اخرس ... رأسه يا حرسي! - يموت العربيان إذن أيها الأمير، وإني لأظن لهما في قومهما شأنا. - ومن يكفلك حتى تعود؟ ... - أخذ الشيخ يقلب نظره في وجوه الجند، ثم أشار إلى فتى منهم: هذا يكفلني أيها الأمير. - تكفله يا عتيبة؟ - قد كفلته. - تبيع شبابك بهرمه؟ إنه ليخادعك عن نفسه! - قد كفلته.
هب مسلمة واقفا، قد بان في وجهه الغضب، ثم مضى إلى خيمته غير متلبث، وأحاط العرب بصاحبهم يسألونه مؤنبين مشفقين: ما حملك على هذا يا عتيبة؟ - شيخ في ضائقة، قد توسم في مروءة، هل أخلف ظنه؟ - ولكن الروم أهل غدر يا عتيبة! - ما كان يجمل بي غيرها. - وإذا لم يعد كفيلك يا أبله؟ - يصنع الأمير في أمري ما يبدو له. - ولكن الأمير مغيظ محنق، قد استل غدر الروم ما كان في نفسه من خلال العفو والرحمة. - يقتلني به إذن. - وتبيع رأسك برأس كافر؟ - قد كان ما لا سبيل إلى الرجوع فيه.
وتفرق الجند عن صاحبهم محزونين، وأوى عتيبة إلى خيمته، قد امتلأت نفسه غما وضاق بكل ما حوله، هذه أول غزاة يغزوها، ولعلها آخر غزاة، فإن الموت يتربص به، وسيموت حين يموت لا شهيدا في المعركة، ولا مبكيا عليه، وتترقب نوار حتى يعود كل الغزاة، ولا يعود عتيبة فتبكيه دهرا ثم تسلو، وتبكيه أمه كذلك، ولكنها لا تسلو أبدا، إن الأمهات لا ينسين من يموت من أبنائهن، قد علم ذلك عن جدته الثكلى، إنها ما تزال تذكر عمه عتبة وأباه النعمان كأنما فقدتهما منذ قريب.
ما لهذه الخواطر تتزاحم في رأسه الساعة؟ أميت هو إذن؟ فلماذا رمى بنفسه في هذا المأزق؟ ولكنه لا يكاد يستشعر شيئا من الندم لشيء مما كان، فما كان له خيرة، أكان يجمل به أن يقول على ملأ من الجند لذلك الشيخ: دعني فلست من المروءة بحيث ظننت؟ وإن في الأمر - إلى ذلك - احتمالا آخر؟ أليس ممكنا أن يكون ذلك الشيخ صادقا فيما وعد؟ فكيف يحول حب الحياة ولؤم الطبع دون إطلاق أسيرين مسلمين؟ ...
وارتد خاطره إلى أمه وإلى صاحبته؛ كيف يعود إلى نوار ولم يف لها بما وعد؟ يا لها من سخرية أليمة! إنه بدل أن يعود إليها برأس بطريق قد قدم رأسه فداء لرأس شيخ حطمة، لا هو من البطارقة ولا من السوقة، أكانت أمه تتوقع أن يصير إلى هذه الخاتمة حين حاولت أن ترده فعصاها؟ لقد وقع عتيبة في شر أفظع مما كانت تتوقع أمه أن يكون!
Halaman tidak diketahui