Benjamin Franklin
بنجامين فرنكلين
Genre-genre
أبدا، إن منطقك ولباقتك عبث ضائع، ومعاذيرك لا تساوي قطميرا في هذا المقام، فإنك إذا كان عملك ساكنا مستقرا فقد وجب أن تكون رياضتك وتسلياتك متحركة ناشطة، عليك أن تخرج للرياضة على قدميك أو على ظهر جواد، وإذا عز عليك الوقت فتريض بلعب البليار، فتعال نحاسبك على منهج حياتك، وكيف تتصرف في قضاء أوقاتك، يكون لديك الكفاية من الوقت بعد منتصف النهار وعند الأصيل، فماذا تراك تصنع في هذه الساعات؟ إنك بدلا من شحذ الرغبة في الطعام بالرياضة الصالحة تدأب على تسلية نفسك بقراءة الكتب، والرسائل، والصحف التي لا تستحق في كثير من الأحيان أقل التفات. ثم تتناول الغداء الفخم، وتجرع أربعة أكواب من الشاي والقشطة مع قدتين من الخبز والزبدة عليها قطعة من لحم البقر مما لا يحسب فيما أرى من الطعام اليسير الخفيف على البطون. ثم تذهب إلى مكتبك على الأثر حيث تكتب أو تتحدث إلى الذين يزورونك في شئون العمل، وتمضي على ذلك إلى الساعة الواحدة دون أن تروض بدنك أقل رياضة على أنني قد أغفر لك هذا؛ لأنه كما تقول من طبيعة عملك القرير، ولكن تعال نسألك ماذا تصنع بعد الغداء؟ إنك بدلا من التمشي في حدائق أصحابك الذين تتغذى عندهم كما يصنع أولو الفهم والفطنة، ترسخ على المقعد أمام الشطرنج حيث يستطيع من شاء أن يراك مستطردا في اللعب ساعتين أو ثلاث ساعات. وتلك هي رياضتك الأبدية، وهي أقل الرياضات موافقة لأصحاب العمل القرير؛ لأنها لا تساعد حركة الأخلاط البدنية، بل تتطلب الثبات والانتباه الطويل الذي يعطل تلك الحركة، وكذلك تتلف بنيتك بالاستغراق في تلك اللعبة التعسة، فكيف يتوقع أحد أن يعيش تلك العيشة دون أن تركد أخلاط بدنه وتتعرض للفساد، ويصبح البدن من جراء ذلك عرضة لجميع الأدواء العضال إن لم أحضر إليك - أنا أم النقارس - بين حين وحين كي أهيج أخلاطك فأصفيها أو أنقيها. ولو أنك في زاوية من زوايا باريس بين الأزقة التي لا تتخللها طرق الرياضة تقضي في لعب الشطرنج، لجاز لك أن تتمحل تلك المعاذير، ولكنك تفعل هذا في باسي، وفي أوتيل، وفي مونمارتر، وفي إيباني، وفي سانوا حيث تكثر الحدائق والمنازه والنساء، وينطلق الهواء النقي والأحاديث الممتعة النافعة، وتستمتع بذلك كله وأنت سائر على قدميك. غير أنك تهملها جميعا حبا لتلك اللعبة التعسة لعبة الشطرنج. تعسا لك إذن يا سيد فرنكلين! إنني نسيت نفسي وأنا ماضية في نصحك. فخذ الساعة هذه القرصة، وخذ معها تلك، وخذ.
فرنكلين :
آه، آه، أوه، هات بربك ما شئت من نصائحك، بل من لواذعك، ولكن بربك لا تزيديني من هذه التقويمات والتصحيحات!
أم النقارس :
على النقيض يا صاح. لن أعفيك من هباءة منها؛ فإنها لمصلحتك. خذ!
فرنكلين :
أوه، إيه، من الظلم يا سيدتي أن تقولي أنني لا أتريض، فإنني لآخذ رياضتي في مركبتي حين أذهب إلى الغداء وحين أعود.
أم النقارس :
تلك بين جميع الرياضات أقلها نفعا وأهونها حركة؛ إذ تهتز المركبة على دواليبها ولا زيادة. ولك أن تحكم على مبلغ الرياضة في الحركة بمبلغ ما تحدثه تلك الحركة من الحرارة. فإنك إذا خرجت للرياضة في الشتاء وقدماك باردتان لم تلبث ساعة حتى تشعر بالحرارة في قدميك وجميع أجزاء بدنك، وإذا ركضت على ظهر الجواد، فأنت في حاجة إلى ساعات أربع للظفر بمثل تلك الحرارة، ولكنك إذا جلست في مركبتك فربما قضيت اليوم كله وانتهيت إلى قرارك وأنت بارد القدمين. فلا تخدعن نفسك إذن وتقضين نصف ساعة في مركبتك، ثم تسمينها رياضة، وما منح الله كل من هب ودب مركبة يمتطيها، ولكنه منح كل إنسان قدمين أكمل، وأجمل، وأنفع، فاجعل من شكرك لله على هذه المنحة أن تستخدمها وتنتفع بها. وفي وسعك أن تعرف كيف تتحرك أخلاط الجسم وأنت تتنقل من مكان إلى مكان. فلاحظ أنك حين تمشي على قدميك ينتقل ثقل جسمك كله دواليك تارة إلى الجانب الأيمن وتارة إلى الجانب الأيسر وتضغط هذه الحركة على عروق القدم وتدفع منها ما تحتويه، ويتسع الوقت لامتلاء العروق مرة أخرى ريثما يتم التحول من قدم إلى قدم، فيتم بذلك انتظام الدورة في الجسم، ومن هنا تأتي الحرارة التي تنشأ في لحظة من الزمن، وتنشط الأخلاط وتجري الأمزجة مجراها فيجري كل شيء على ما يرام؛ تحمر الوجنتان، وتتمكن العافية.
ولتنظر إلى صديقتك في أوتيل - تلك المرأة التي تلقت من الطبيعة نصيبا من العلم الحق أوفر من أنصباء ستة منكم أدعياء الحكمة الذين يقتبسونها من الكتب، فإنها حين تنوي أن تشرفكم بزيارتها تمشي على قدميها من الصباح إلى المساء، وتدع أمراض الكسل كلها تتوزع بين خيلها، فانظر كيف تحافظ على صحتها بل على محاسنها، وأنتم تنوون زيارة أوتيل ففي المركبة تذهبون، ولا فرق بين المسافتين: من أوتيل إلى باسي، أو من باسي إلى أوتيل.
Halaman tidak diketahui