Bina Umma Carabiyya
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Genre-genre
متى وكيف أصبحت الأقطار العربية ولايات عثمانية؟
ذكرنا فيما سبق أن أكثر الأقطار العربية خضع للحكم العثماني في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وفي عهد السلطان سليم الأول وابنه السلطان سليمان القانوني.
وشرحنا فيما سبق أن الملك العثماني بدأ في الشمال الغربي من الأناضول، وأن ذلك الملك كان يتسع في الأناضول وفي البلقان في نفس الوقت، وأننا يمكننا أن نعتبر فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح في 1453 خير تتويج لتلك المرحلة البلقانية الأناضولية من تاريخ الاتساع العثماني.
وأثناء تلك المرحلة نشأت للدولة العثمانية علاقات بالأقطار الإسلامية العربية وغير العربية المجاورة للأناضول؛ أي في الأقطار السورية والكردستانية والعراقية؛ أي بالدول المسيطرة على تلك الأقطار، السلطنة المصرية السورية (المماليك)، وبالإمارات القبلية في الجزيرة وكردستان وأذربيجان ثم بالدولة التي حاولت أن تسود تلك الإمارات القبلية، وهي دولة الصفويين في فارس.
ودولة بني عثمان ولدت وترعرعت في مهد الجهاد الديني والغزو، كانت الحرب الدينية ضد الروم سر اجتماع كلمة الغزاة الأولين على طاعة الأمراء الأول من بني عثمان، كما كانت الحرب الدينية سر تقدم السلاطين من بني عثمان من نصر إلى نصر، وكان موضع فخر أولئك السلاطين أنهم وضعوا للإسلام راية في بلاد لم يسبقهم إليها جيش إسلامي: في البلقان ثم في سهول المجر إلى أسوار فيينا. وكان موضع فخرهم بصفة خاصة أنهم كانوا الذين استولوا على القسطنطينية دون غيرهم من ملوك الإسلام.
وقد قلت إن الاستيلاء على تلك المدينة ختم مرحلة من التاريخ العثماني، وإن السلاطين من أواخر القرن الخامس عشر توثقت صلاتهم بأصحاب الأقطار المجاورة.
وكانت الصلات سياسية ودينية؛ سياسية لأن الحدود التي كانت تفصل دول ذلك الزمان لم تكن على درجة من التحديد تعرف وتحترم، بل كانت أقرب إلى مناطق لا ينفذ فيها حكم الدول الكبرى المباشر، ويتمتع فيها أمراء الحدود الصغار من بيوت الملك أو رياسات العشائر بقدر من الاستقلال يحصلون عليه بمؤازرة الدول الكبرى (كالمملوكية أو العثمانية أو الصفوية) إحداها بأخرى. وكان تذبذب إمارات الحدود عاملا دون شك في اضطراب العلاقات العثمانية المملوكية الصفوية، كما كان حافزا لكل منها على أن تكون هي المسيطرة على الحدود.
وكان هناك عامل آخر من عوامل الاضطراب يرجع إلى ما كان يحدث من وقت لآخر من التجاء بعض الأمراء والزعماء من مملكة لأخرى. حدث هذا مع بعض الأمراء العثمانيين، وهذا على الرغم مما جرى عليه سلاطين الدولة الأول من الفتك بأقاربهم ولو كانوا رضعا. وكان السلاطين المماليك يتخذون من الأمراء اللاجئين «رهائن» أو أدوات ضغط سياسي يضمنون بها حسن سلوك الحكام العثمانيين، وفي نفس الوقت كان يحدث أيضا أن يلجأ لدى العثمانيين أمراء من تابعي سلطان مصر يتصلون بهم ويطلعونهم على خفايا دولتهم وعوراتها. بيد أنه لم ينشأ بين العثمانيين والمماليك من البغض والكراهية ما نشأ بين العثمانيين والصفويين.
فالمماليك - كما رآهم العثمانيون - مذهبهم الديني مستقيم، فهم من أهل السنة، وفي ملكهم مهد الإسلام والثقافة الدينية، وهم رعاة الحرمين، وقد دأب بنو عثمان على أن يسدوا للحج وللحجيج وأهل الحرمين من الأيادي ما أكسبهم سمعة حسنة، وكان خليقا به أن ينشئ بين الدولتين لونا من التعاون الصافي، لولا أن ما حدث من حرب التناحر بين العثمانيين والصفويين أدخل المماليك في تلك الحرب طرفا ثالثا وجر إلى خضوع بلادهم العربية في الحكم العثماني.
وهاك شرح هذا الموقف:
Halaman tidak diketahui