Bina Umma Carabiyya
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Genre-genre
والمطالبة بالإصلاح على هذا النحو أوسع من الإصلاح متأثرا بانتشار الوعي القومي بين شعوب الدولة العثمانية أوسع؛ لأنه يشمل العاملين على إصلاح الدولة على أساس لاقومي أو مضاد للأساس القومي (ويدخل في ذلك رجال حكومة السلطنة)، وأوسع لأنه يشمل العاملين في حركات الإصلاح الإسلامي (وهؤلاء أيضا لا يؤكدون - على الأقل - الناحية القومية، إن لم يستنكروها). ولكن الوعي القومي أخذ شيئا فشيئا يتأثر بجهود المصلحين وسيشكلها ويوجهها نحو التنظيم على أساس قومي، بل إن رجال السلطنة سيتجهون إلى تغليب المصلحة القومية التركية على كل اعتبار آخر ، بيد أن الوعي القومي في الشعوب العربية تأثر بعاملين: أحدهما عامل الوطنية (مصر مثلا) والآخر عامل القومية (الأمة العربية)، وسنزيد هذا كله تفصيلا فيما يلي من الفصول.
وقد اعتاد الكتاب الأوروبيون أن ينسبوا انتشار الوعي القومي بين ترك وعرب ويونان وصقالبة وأرمن الدولة العثمانية إلى محاكاة من جانب هذه الشعوب للحركات القومية الأوروبية. وهذا وهم فإن اليوناني لا يحتاج لكي يشعر بيونانيته أو المصري بمصريته إلى أن يقلد شعور الإنجليزي - مثلا - بإنجليزيته، إنما الذي تأثر به المصري أو اليوناني هو أوضاع التنظيم على أساس قومي، وهذا التنظيم هو الذي سبقتنا أوروبا إلى إيجاده.
وننتقل الآن إلى شرح تاريخ الإصلاح عموما والإصلاح متأثرا بالوعي القومي خصوصا خلال هذه الحقبة من الزمان. وقد يعيننا على إيضاحا أن نتناولها في أدوار أو مراحل. (4-1) الدور الأول: ونقرنه باسم السلطان سليم الثالث (1789-1807)
جلس سليم الأول على عرش آبائه في حقبة من الزمان هذه ظروفها: (1)
سبق توليه الحكم الحروب الروسية التركية (1768-1774) التي ختمت بمعاهدة الصلح المشهورة كجك قينارجي، وكانت حربا خاسرة بالنسبة للعثمانيين. (2)
وصحب هذه الحرب استثئار علي بك الكبير بحكم مصر دون السلطات العثمانية الشرعية، وتدخله في شئون جنوبي الشام واتخاذه مظاهر السلطان المستقل في مصر والحجاز. والدولة وإن تغلبت على علي بك بإثارة مملوكه محمد أبي الذهب فإن أمور مصر والشام سارت من اضطراب إلى اضطراب في عهد مراد بك وإبراهيم بك إلى أن قدمها الفرنسيون في حملتهم المشهورة. (3)
وصحب هذه الحرب أول محاولة لليونان للحصول على استقلالهم، والعراق أمره للمماليك دون السلطات العثمانية، وفي سائر الولايات الآسيوية والأفريقية والأوروبية السلطات الشرعية مغلوبة على أمرها، فإما متآمرون يحاولون إنشاء حكم مستقر (وهذا أحسن ما كان هناك) وإما عصابات لا تختلف في وسائلها وأهدافها عن قطاع الطرق، وحقوق السلطنة وواجباتها معطلة. (4)
وتتحرك الاضطرابات التي تمخضت عنها الثورة الفرنسية من بعد 1789، ويزداد أمر أفراد طوائف السلطنة (الملل) اضطرابا، فبعد أن كان الأمر قاصرا فيما يتعلق بهم على مجهودات المبشرين الغربيين لاجتذابهم إلى حظيرة الكثلكة الرومانية، وعلى المعاملات القائمة بينهم وبين التجار الأوروبيين، بدأت تنتشر نداءات إلى عقائدهم تتسم بدعوة الحرية، وهي في نظر السلطات العثمانية بل وفي نظر الرؤساء الدينيين للملل إباحية مطلقة أو إلحاد. (5)
وأخيرا وفي 1798 يحدث ما لم يكن أحد يتصوره؛ ذلك قدوم حملة فرنسية برية بحرية لامتلاك مصر، مفتاح الحرمين وإنسان عين السلطان.
وهذه الحملة يبدأ بها تحول في مشروعات الفتح في ولايات الدولة العثمانية، فقبل هذه الحملة كان الضغط الأوروبي المباشر على الولايات البلقانية أو حول سواحل البحر الأسود أو على سواحل البحار العربية الآسيوية، أو بعبارة أخرى كان يتم اتصال الأوروبيين بالشرق بالالتفاف حول العالم العثماني الأفريقي الآسيوي. أما الآن فقد أخذ الأوروبيون يهمون باختراق ذلك العالم، وامتلاك أقصر الطرق بين الشرق والغرب.
Halaman tidak diketahui