Tanpa Halangan
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genre-genre
فلا يوجد حجر رشيد يكشف عن أسرار النقوش الحجرية بلغات مكتوبة نستطيع ترجمتها وفهمها، ولا يوجد ناس أحياء من الشعب السولوتري أو الماجدليني ليفسروا معانيها لنا. في الواقع، لا يقتصر الأمر على أننا ليس لدينا فكرة عن اللغة التي تحدث بها هؤلاء الناس، لكن كذلك حتى لو استطعنا سماعهم يتحدثون سنظل لا نفقه ما يقولونه؛ إذ تعتمد المعاني المشفرة في شكل رسائل رمزية، بطبيعتها الجوهرية، على الذاكرة الحية لأولئك الذين نشئوا وعاشوا في الثقافات التي ابتكرت تلك المعاني. وحين يختفي كل أولئك الناس وتصير ثقافاتهم في طي النسيان، يصبح لدينا القليل أو حتى لا شيء لنبدأ العمل به.
شكل 5-6: العديد من النقوش الحجرية التي في كهف لا باسيجا تحتوي على نقاط أو خطوط ربما كانت تعبر عن أعداد أو كميات.
قد لا نعرف على وجه التحديد لماذا نفذ الشعب المجدليني والكرومانيون رسومات كهوف ألتاميرا ولاسكو وشوفيه المتقنة، لكننا نعلم على الأقل أن هذه الرسومات الشبيهة بالواقع تمثل أنواعا حيوانية حقيقية ويمكن تحديدها على نحو قاطع. الأمر ليس كذلك مع النقوش الحجرية؛ فلا يساورنا شك أن هذه النقوش قد رسمت ولونت حتى تدون معلومات وتنقلها إلى آخرين عبر الزمان والمكان، لكن يظل السؤال حول كنه تلك المعلومات، وكيف ترجمت إلى شكل رمزي، سرا عجزت أفضل عقول علم الحفريات الحديث تماما عن حله.
إذا كانت الكلمة المكتوبة - التي تشمل كلا من الأشكال البسيطة مثل الأبجدية المسمارية أو الأبجدية الرومانية والأشكال المعقدة مثل الهيروغليفية المصرية وكتابة المايا - هي التمثيل الرمزي لمعلومات عبر عنها في حديث البشر؛ فإن نقوش العصر الحجري القديم الحجرية تعتبر أول وأقدم أشكال الكتابة البشرية التي عثر عليها على الإطلاق، كما أنها تعد أفضل دليل ممكن على أن الناس الذين كتبوا هذه النقوش الحجرية كانوا يستخدمون لغة. في الواقع، يعتقد بعض العلماء أن قدرة شعوب ما قبل التاريخ على رسم صور ذات مغزى في المقام الأول هو بينة على احتواء ثقافاتهم على أنظمة مشتركة للمعاني عبروا عنها في شكل لغات منطوقة بالفعل.
12
لكن رغم عدم إمكانية سماع أشخاص يتحدثون لغات ما قبل التاريخ تلك مطلقا، ظلت هناك أدلة مذهلة حول نشأة كلام البشر في البقايا الحفرية لهياكل أشباه البشر العظمية.
العظمة اللامية وأصول اللغة
في الفصول السابقة رأينا كيف يمكن للأدلة الحفرية المستقاة من تشريح الإنسان أن توفر أدلة مهمة عن سلوك أشباه البشر في عصور ما قبل التاريخ، حتى حين يكون السلوك المعني قد وقع منذ زمن طويل ولا يمكن ملاحظته على نحو مباشر. وهذا يطرح السؤال المثير للاهتمام عما إذا كانت البقايا الحفرية لأشباه البشر المنقرضين قد تعطي بعض الخيوط التي تدلنا على الوقت الذي بدءوا فيه استخدام اللغة المنطوقة لأول مرة. وحيث إن اللسان والحنجرة والجزء العلوي من الحلق - أعضاء الكلام الأساسية - تتكون بالكامل تقريبا من أنسجة رخوة، فلم يصمد أي من هذه الأنسجة أمام الفترات الزمنية الطويلة التي انقضت خلال تطور الإنسان.
غير أنه يوجد بالفعل عظمة صغيرة جدا - واقعة في الجزء العلوي من حلق الإنسان، فوق الحنجرة مباشرة وملتصقة بها - تلعب دورا مهما في حركات عضلات اللسان والحلق التي تشكل أصوات كلام البشر. وتسمى هذه العظمة، المتخذة شكل حدوة الحصان ويبلغ عرضها نحو بوصة ونصف، «العظمة اللامية».
بينما تختلف العظمة اللامية لدى الإنسان الحديث اختلافا بالغا في شكلها عن العظمة اللامية لدى الشمبانزي، تكاد تكون مطابقة للعظمة اللامية لدى إنسان النياندرتال، وتتشابه جدا مع تلك الموجودة لدى إنسان هومو هايدلبيرجينسيس الناشئ؛ لذا يبدو من المحتمل أن يكون الكلام البشري قد بدأ منذ مئات آلاف السنين لدى جماعة من إنسان هومو هايدلبيرجينسيس، وأن يكون بشر النياندرتال تحدثوا شكلا متطورا من اللغة يشبه كلامنا الحديث. ومما لا ريب فيه أن الإنسان الحديث تشريحيا، الذي ترك أدلة وفيرة على استخدامه الرموز المرئية في تدوين المعلومات وتناقلها، كان قادرا تماما على الكلام بطريقة البشر.
Halaman tidak diketahui