Tanpa Halangan
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genre-genre
تحمل الأم في قبائل البوشمان طفلها في عباءة كبيرة من الجلد تسمى كاروس، وقد يكون الهومو إريكتوس تبنوا استراتيجية شبيهة. وحين هاجر البشر الناشئون من أفريقيا وبدءوا الاستقرار في مناطق أكثر اعتدالا من أوراسيا، كان من المنطقي أن يواجه أطفالهم صعوبة متزايدة في البقاء على قيد الحياة إن كانوا قد ظلوا عراة لا يحميهم شيء من عوامل الطبيعة، لكن مواليد أشباه البشر المبتسرين والعاجزين على نحو متزايد كانوا يستطيعون البقاء على قيد الحياة رغم ضعفهم في أول سنة أو سنتين من حياتهم بلفهم في فراء أو عباءة كبيرة نهارا، وحمايتهم بأمان في كوخ دافئ ليلا. بناء على هذا من المحتمل أن يكون البشر الناشئون أثناء تطورهم وزيادة حجم أدمغتهم قد بدءوا بناء مساكن وتفصيل ملابس لأنفسهم قبل حتى الانتقال شمالا إلى أراض كانت فيها فصول الشتاء طويلة وباردة.
خلاصة القول، تقنية المساكن والكساء وكذلك النار حررت مخ أشباه البشر من قيوده الطبيعية، وسمحت له بالنمو حتى صار في قرابة ثلاثة أضعاف حجم مخ الحيوانات الأخرى التي بنفس حجمه. من دون تقنيات النار والمساكن والكساء، كان مخ أشباه البشر سيصبح غير قادر على النمو متجاوزا حجم مخ الهومو إرجاستر البالغ 650 سنتيمترا مكعبا، وهو السلف المرجح للهومو إريكتوس، وكان البشر سيظلون حتى يومنا هذا لا يعدون كونهم مجرد قردة تمشي على قدمين في غاية الذكاء تأكل اللحم وتصنع الأدوات وتحمل الأسلحة.
أشباه بشر الشمال المتجمد
لمئات آلاف السنين، مع مجيء العصور الجليدية وانقضائها، انتقل الهومو إريكتوس شمالا خلال الفترات الجيولوجية الأكثر دفئا، وتراجعوا للجنوب مع اقتراب الجليد القطبي خلال الفترات الجيولوجية الأكثر برودة؛ ولهذا السبب عثر على بقايا للهومو إريكتوس في شمال أوروبا وآسيا خلال هذه الفترات «بين الجليدية» الدافئة نسبيا. في الواقع، لأكثر من مليون عام، لا يمكن العثور على دليل يثبت إقامة مستمرة للهومو إريكتوس شمال خط العرض أربعين (خط من الشرق للغرب يمتد من جنوب إسبانيا عبر الطرف الجنوبي لإيطاليا، مرورا باليونان وتركيا، وعبر وسط آسيا إلى شبه الجزيرة الكورية).
إلا أن جماعات الهومو إريكتوس وغيرهم من البشر الناشئين بدءوا الاستقرار تدريجيا في بيئات أقصى الشمال الغنية بحيوانات الصيد مع تعلم تفصيل الملابس البدائية التي منحتهم الدفء وحمت أجسادهم العارية من عوامل الطبيعة. بدءا من نصف مليون عام تقريبا، يبدأ ظهور بقايا الهومو إريكتوس في مناطق فوق خط عرض أربعين، من الجزر البريطانية حتى شمال الصين. وهكذا، متسلحين بالنار وأكواخ بسيطة وملابس بدائية منحتهم الدفء وحمت أجسادهم العارية من عوامل الطبيعة، استقر الهومو إريكتوس في بيئات كانت تهيم فيها حيوانات العصور الجليدية الضخمة بكثرة.
لكن في نهاية المطاف، جاء محل جماعات هومو إريكتوس أوروبا وآسيا بشر حديث من نوعنا، الهومو سيبيانز، الذين يرجح أنهم نشئوا في أفريقيا وانتشروا شمالا من عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا. أول هؤلاء البشر الحديث - الذين كان لديهم أدمغة كبيرة في حجم أدمغتنا ونجحوا في صيد الحيوانات الضخمة - كان النياندرتال؛ هذا النويع الغريب والمذهل المعروف في العلوم باسم هومو سيبيانز نياندرتالنيسيس.
كان النياندرتال أشباه بشر مكتنزي الجثة ذوي عظام عريضة وعضلات مفتولة، وكان في عظام الجمجمة أعلى العينين قوسا حاجبين كثيفان يماثلان أشباه بشر أقدم وأكثر بدائية، لكن داخل جماجمهم الطويلة المتخذة شكل الرصاصة كانت أمخاخ النياندرتال كبيرة في حجم أمخاخ الإنسان الحديث الموجود حاليا. ولا يوجد في تاريخ أشباه البشر من يباري النياندرتال في صيد الحيوانات الكبيرة. ويكشف التحليل الحيوي الكيميائي لعظام النياندرتال أنهم عاشوا على نظام غذائي يكاد يقتصر تماما على اللحوم. وقد بينت إحدى الدراسات أن 58 في المائة من استهلاك بشر النياندرتال من الغذاء تكون من لحوم الماشية البرية، وشكل لحم الخيل ووحيد القرن والأيائل والماموث النسبة الباقية من غذائهم اللحمي.
12
بعد وصول النياندرتال إلى شمال أوروبا بدأت أعداد الحيوانات الضخمة في التضاؤل، وبعد ظهور بشر الكرومانيون الحديث تشريحيا منذ نحو 55 ألف عام انقرضت حيوانات العصر الجليدي الضخمة؛ فقد زاد دفء مناخ أوراسيا كثيرا مع انتهاء الجزء الأخير من العصر الجليدي، وقد يكون تغير المناخ أسهم في انقراض بعض من هذه الأنواع، لكن وقعت حالات انقراض مشابهة لحيوانات ضخمة أيضا بعد وقت قصير من وصول الإنسان الحديث إلى أستراليا وتسمانيا واليابان وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، حيث كانت تغيرات المناخ بدرجة أقل كثيرا.
لذلك يبدو محتملا أن الحيوانات الضخمة قد اصطادها الإنسان الحديث حتى انقرضت. في الواقع، يميز انقراض الحيوانات الضخمة في نهاية العصر الجليدي الأخير اللحظة التي سيطر فيها نوعنا على البيئة الطبيعية، بل وبدأ يقضي فيها على أشكال أخرى من الأحياء. وكما سنرى فقد تسارعت هذه العملية، ألفية بعد الأخرى، منذ ذلك الحين.
Halaman tidak diketahui