Tanpa Halangan
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genre-genre
أطلق دارت على اكتشافه اسم أوسترالوبيثيكوس أفريكانوس أو «قرد أفريقيا الجنوبي»، وقد ظل اسمه دون أن يتغير في دراسات الحفريات البشرية منذ ذلك الحين. ولم يكن «طفل تونج» أول أشباه البشر القدامى الذين حدد العلم هويتهم فحسب، لكنه كذلك أعطى أول دليل مادي على أن البشرية لم تنشأ في أوروبا أو آسيا - وهو ما كان نظرية رائجة في الدوائر العلمية في ذلك الوقت - وإنما في أفريقيا، كما تكهن تشارلز داروين قبل ذلك بأكثر من خمسين عاما في كتابه «أصل الإنسان».
نشر دارت اكتشافاته في مقال يعد الآن عملا كلاسيكيا في الدورية العلمية البريطانية «نيتشر» في فبراير عام 1925م، حيث ذكر ملاحظة تشريحية مهمة؛ فقد أشار إلى أن الثقبة العظمى - نقطة اتصال الجمجمة بالعمود الفقري - موجودة أسفل جمجمة تونج، كما هو الحال في البشر الذين يسيرون على قدمين، لا خلفها، كما لدى القردة ذوات الأربع. اعتقد دارت أن وضع الثقبة العظمى أثبت أن طفل تونج كان يقف ويسير منتصبا، لكن اعتقاد دارت بأن الأوسترالوبيثيكوس كان نوعا قديما جدا من أشباه البشر الأوائل رفضته المراجع العلمية في أوروبا، التي استنتجت أن حفريات دارت كانت في الأرجح بقايا غريبة لقرد منقرض.
كان لدى علماء الحفريات في ذلك الوقت اعتقاد راسخ أن أسلاف بشر ما قبل التاريخ صار لديهم أدمغة كبيرة أولا، ولم يفقدوا سماتهم المشابهة للقردة إلا لاحقا، ربما بسبب ذكائهم المتزايد. وقد تعززت هذه النظرية بدرجة كبيرة عام 1912م، حين أعلن تشارلز داوسون، عالم آثار هاو، عن عثور عامل في مقلع في بيلتداون في إنجلترا على بقايا فرد بوجه شبيه بالقردة ودماغ كبير. وسرعان ما أشاد الكثيرون في المجتمع العلمي ب «إنسان بيلتداون»، بوجهه الشبيه بوجه القرد ودماغه الشبيه بدماغ الإنسان، باعتباره «الحلقة المفقودة» بين البشر والقردة، في حين لم يناسب توقعات العلماء اكتشاف دارت لطفل تونج بوجهه الشبيه بوجه الإنسان ودماغه الشبيه بدماغ القردة.
لكن مما أحرج كثيرا العلماء الذين اقتنعوا باكتشاف داوسون باعتباره الحلقة المفقودة الحقيقية، افتضاح إنسان بيلتداون في النهاية واكتشاف أنه خدعة، لكن ليس قبل عام 1943م؛ أي بعد أربعين عاما من «اكتشافه»؛ فقد تبين أن إنسان بيلتداون كان تلفيقا متعمدا تكون من جمجمة بشرية من العصور الوسطى، وفك إنسان غاب قديم، وبعض من أسنان الشمبانزي. كلها صبغت عن قصد لتبدو أثرية. وقد مات تشارلز داوسون عام 1916م، وحتى هذا اليوم لم تحدد هوية مدبر خدعة بيلتداون عن يقين.
عندما أصاب الإحباط البروفيسور دارت من الاستقبال الفاتر الذي لاقاه اكتشافه من علماء الحفريات الأوروبيين، أعرض عن أبحاثه عن عصور ما قبل التاريخ للبشر طوال العشرين سنة التالية، وركز اهتمامه على مهمته الأصلية، وهي إنشاء قسم تشريح في جامعة ويتووترزراند، لكنه ظل يتمتع بدعم علماء الحفريات في وطنه، وظل طلابه وزملاؤه يستخرجون مجموعة متزايدة من البقايا الحفرية القديمة من عدد من المواقع التي تعود لما قبل التاريخ في جنوب أفريقيا.
خلال الوقت الذي نشر فيه دارت دراسة «طفل تونج»، أرسل له معلم مدرسي محلي مواد حفرية اكتشفت في ماكابانسجات، وهو موقع محجر حجر جيري آخر في جنوب أفريقيا. هذا المحجر، الواقع في منطقة تكثر فيها الكهوف القديمة، اكتشفت فيه على مدار السنوات كمية وفيرة من الحفريات البشرية التي تعود لعصر ما قبل التاريخ. وأخيرا، في نهاية الحرب العالمية الثانية، تشجع دارت بفضل تزايد الاقتناع بالأوسترالوبيثيكوس أفريكانوس وتنامي كم الأدلة الداعمة التي كان زملاؤه يستخرجونها من الأرض، وعاد إلى المجال عام 1947م ليبدأ سلسلة طويلة من عمليات التنقيب في كهوف ماكابانسجات. وقادته العظام المسودة العديدة التي وجدها هناك إلى استنتاج مفاده أن أشباه البشر الأوائل الذين كانوا يعيشون في ماكابانسجات كانوا يشعلون النيران ويشوون لحم فرائسهم من أكثر من مليوني عام. وسمى حفريات أشباه البشر القديمة في ماكابانسجات أوسترالوبيثيكوس بروميثيوس (القرد الجنوبي الذي روض النار).
لكن مني دارت بخيبة أمل أخرى؛ فقد كشف التحليل الكيميائي أن عظام ماكابانسجات لم تسود بالنار، وإنما بالأثر الكيميائي لثاني أكسيد المنجنيز الذي تسرب للرواسب. كذلك أثبت أن حفرية دارت، أوسترالوبيثيكوس بروميثيوس، ليست نوعا جديدا على الإطلاق، وإنما بقايا حفرية لأفراد من نوع أوسترالوبيثيكوس أفريكانوس؛ أي أعضاء من النوع نفسه الذي ينتمي إليه طفل تونج. مع هذا التطور في الأحداث، ألقى الشك بظلاله على القدم الحقيقي لأول استخدام لأشباه البشر للنار، وظلت مسألة كيف ومتى استخدم أشباه البشر النار لأول مرة - أحد أقدم المسائل المثيرة للخلاف في علم حفريات البشر - بلا حل لعقود.
بيد أنه ثبت في النهاية أن استنتاج دارت أقرب إلى الحقيقة مما بدا في البداية؛ ففي عام 1989م نشر تشارلز كيه برين وأندرو سيلن، اختصاصيا علم حفريات من جنوب أفريقيا، نتائج دراسة مستفيضة عن عظام كهف سوارتكرانس، الواقع على بعد 150 ميلا جنوب شرق ماكابانسجات، أثبتت بشكل قاطع أن عظام حيوانات الصيد كانت تحرق مرارا وتكرارا في نيران المخيمات قديما جدا منذ مليون عام ونصف.
1
ورغم أنه يبدو محتملا أن الإنسان الناشئ المنتصب القامة هو من كان يشعل نيران هذه المخيمات، فإن حفريات أشباه البشر الوحيدة التي عثر عليها حتى الآن في الطبقة الجيولوجية نفسها لهذه العظام المحترقة هي حفريات نوع من فصيلة أشباه البشر الأوائل، بارانثروبوس روبستوس، وهو من الأقرباء الذين لا يبعدون كثيرا عن اكتشاف دارت المميز، من أشباه البشر الأوائل، الأوسترالوبيثيكوس أفريكانوس.
Halaman tidak diketahui