Permulaan Zaman Ptolemaic
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
Genre-genre
إذا نظرنا في تاريخ مصر في ذلك العهد نظرة شاملة، وجدنا أن محوره يدور حول حقيقة بينة؛ هي أن سكان مصر قد تبدلوا من أمة متجانسة القومية نسبيا، كما كانت خلال حكم الفراعنة الأقدمين، أمة مقسومة طبقتين، تعيشان داخل حدود أرضها: فالطبقة العليا تتألف من أفراد الأمة الأوروبية الحاكمة، والطبقة الدنيا من جمهرة الأمة المصرية المحكومة. وهي حالة لا تبعد كثيرا عن الحالات التي تقوم في بعض الممالك في عصرنا؛ لأن حضارة الأمة الحاكمة في مصر البطلمية، كانت هي بذاتها الحضارة الإغريقية، أم الحضارة الأوروبية الحديثة، ولم يكن شعورهم بالتفوق والاستعلاء على أهل مصر مباينا للشعور الذي يشعر به «البيض» في هذا العصر نحو الوطنيين. وفي الحق أن الإغريق كانت تجري على ألسنتهم كلمة معناها «الوطنيين» كلما أرادوا الإشارة إلى المصريين.
إن وجود الطبقة الإغريقية المقدونية في مصر، لم يكن راجعا إلى أن الإغريق والمقدونيين قد وفدوا إليها باختيارهم، أو مسوقين بأن حالات البلاد الطبيعية من شأنها أن تغري بالهجرة إليها شأن الأوروبيين في تدفقهم على أمريكا وأستراليا في العصور الحديثة، بل على الضد من ذلك، كانت نتيجة جهد متواصل بذله البيت المقدوني الحاكم؛ فإن بطلميوس منذ ما اختار مصر لتكون مقرا لحكمه، ومتبوأ له من الدنيا بعد الإسكندر، وجد أنها قد وهبته أشياء عديدة، وهبته أرضا يسهل الدفاع عنها، وثروة مادية عظيمة، سواء من مواردها الطبيعية، أم من المتاجر التي كانت تردها على ظهر النيل، وخلعت على ملوكيته فوق ذلك عظمة التقاليد المصرية القديمة وهيبتها ونضارتها. ولكنها مع كل هذا لم تعطه كل الضروريات؛ فإنها لم تزوده «بالقوة البشرية»، وكانت من أمس الحاجات إليه.
والحقيقة أن مصر كان فيها عديد وافر من الرجال، ولكنهم لم يكونوا من ذلك الطابع الذي يريده، الطابع الذي يستطيع قائد حربي أن يؤلف منه جيشا يناجز كتائب مؤلفة من جنود مقدونيين وأغارقة، كالتي يسوقها «أنطيغونس» أو «سلوقوس» إلى ميادين الحرب، فكان من الضروري أن يحصل «بطلميوس» على عدته من المقدونيين. وما كان ليغيب عن ذهنه أن صفوة الجيش الذي فتح نصف الدنيا، تحت إمرة الإسكندر، كان من رجال مقدونيا، فكان الفرسان من النبلاء، وحملة الحراب الذين اشتهروا بالصلابة والقوة من جمهرة العمال الذين يفلحون حقول البلقان في زمن السلام. ولقد رأى بطلميوس أنه مقطوع الصلة بمقدونيا؛ مرباه الأصيل، فخطرت له فكرة إنشاء «مقدونيا اصطناعية» في مصر العجيبة غير المتجانسة، بأن يكون طبقة من الفلاحين المقدونيين أو الأغارقة، فنشر ألوفا منهم في عرض البلاد وطولها، يفلحون الأرض ويستولدون الماشية ما رفرف السلام في أجزاء من الأرض يقطعونها، ويواتيها النيل بمائه، فإذا أذن مؤذن الحرب هبوا إليها، فحملوا الحراب راجلين، أو امتطوا صهوات جيادهم فرسانا، وخرجوا فيالق أو صفوفا يتبعون «بطلميوس»، أو أحد قواده إلى فلسطين أو قورينا. أما نشأة هذا النظام الاستعماري العسكري، وهو الطابع الظاهر في نظام مصر البطلمية، فيرجع تحقيقا إلى عصر بطلميوس الأول.
ومن أجل أن تعمر المدن الإغريقية الجديدة، كالإسكندرية وإفطولمايس (117)، وتثبت قدم العساكر المستعمرين في البلاد، استوفد بطلميوس ألوفا من الأغارقة والمقدونيين إلى مصر. غير أنه لم يستطع أن يجلبهم جملة من إغريقية ومقدونيا، وهي بلاد خارجة عن سلطانه، كما كان يفعل ملوك الأشوريين في الزمن القديم، فينقلون جزءا من رعاياهم، من بقعة إلى أخرى في أطراف دولتهم. ولا ريبة في أن فكرته هذه كانت تصبح عقيمة وغير عملية لو لم تكن قوات مقدونيا وإغريقية قد بعثرتها غزوات الإسكندر، ونشرتها في فجاج الشرق الأدنى كله، فوزعت في معسكرات أو بقيت حاميات في المدن تحت إمرة هذا أو ذاك من الزعماء المقدونيين.
ولا مراء في أن بطلميوس عندما هبط مصر سنة 323، قد وجد بها حامية مقدونية مستقرة فيها، وكانت العادة عندما يهزم قائد مقدوني قائدا آخر، أن يخدم جنود المهزوم راية المنتصر، فإذا كانوا مقدونيين، فإن المنتصر يكون أحد قوادهم الوطنيين. ولا يبعد أن يكون جزء من جيش «فردقاس» (118) المهزوم سنة 321 قد وجد بمصر حمى في ظل «بطلميوس». ويقول «ديودورس» (119): إن «بطلميوس» بعد وقعة غزة سنة 312، أرسل ما ينيف على ثمانية آلاف جندي من جنود الجيش المهزوم؛ ليوزعوا على أقاليم مصر. والظاهر أن إقطاع الأرض في مصر، قد أحكم الوصلة بين عدد عظيم من بقايا الجنود المقدونية و«بطلميوس»، وربط بينهما برباط لن تنال منه حتى الهزائم أي منال، فقد خبرنا أن عددا كبيرا من جيش «بطلميوس» الذي أسره دمطريوس في قبرص سنة 306، قد عمل أفراده جاهدين على أن يعودوا إلى مصر، حيث تركوا أسرهم ومتاعهم، ورفضوا الخدمة تحت إمرة «دمطريوس».
وليس ببعيد أن يكون قد هبط مصر رجال من أطراف العالم الإغريقي؛ ليخدموا بطلميوس مرتزقين، ثم قبلوا الهبة التي تلجئهم إلى المقام الدائم بها. أضف إلى ذلك فرق الجند التي كان يستوفدها بطلميوس جملة إلى مصر؛ فإن الجيوش التي كانت تؤلف من المقدونيين المقيمين فيها، لم تكن وحدها كافية، فكان لزاما أن تعزز بجنود مرتزقة وأهل البلقان. وكانت صفة الجنود المرتزقة في ذلك الزمن، أن يأجر مغامر من المغامرين جماعات منهم في سوق من أسواق استئجار الجنود، مثل طايناروم (120) بجزر الفلوبونيسوس (121)، أو أسفندوس (122) بآسيا الصغرى، وكانت ملتقى المرتزقين من الجنود، ومجتمع أخلاطهم، يؤمونها من أطرف العالم الإغريقي، أو ينضوي عدد منهم تحت لواء ضابط يمنيهم بأعظم ما يطمع فيه من المال أو التشاريف أو المجد، ومن ثم يبيع الضابط، ومن انضوى تحت لوائه من الجنود، خدمته لأي ملك من الملوك، أو لحكومة أية مدينة من المدن يختارها. وكانت أسلحة خاصة من أسلحة الجيوش تتكون من مرتزقين يفدون من جهات معينة، وليس من جند مقدونيا النظامي، فكان الرماة من إقريطش (123) (كريت) وحملة الحراب من «تراقيا» (124). ولقد استقر بمصر - على ما يظهر - كثير ممن وفد إليها من الكريتيين والتراقيين والآثنيين والإسبرطيين (125) والبوطيين (126) والصقليين (127) وأقاموا بها.
وقد نرى أن بطلميوس قد آثر أن يذاع عنه في العالم الإغريقي، أنه ذلك الجواد الكيس، والكريم الشهم، الذي يجدر بكل رجل أو فتى، يريد أن يعيش جنديا، أن يعبر البحر ليكون تحت إمرته. ولقد هيأت له موارد مصر الطائلة، أن يكون كريما معطاء على وتيرة لم يباره فيها أحد من خصومه. •••
تفرد حكم بطلميوس بن لاغوس في مصر ببدعة قدر أن يكون لها أثر في مستقبل العالم الإغريقي؛ تلك هي خلق عبادة جديدة. فإن إلها جديدا لم يعرفه من قبل الأغارقة في خارج حدود مصر، أصبح من أعظم الآلهة الذين عبدوا في العصر الوثني؛ ونعني به «الإلهة» سرافيس (128). ولقد ظل الأصل في عبادة «سرافيس» موضع نقاش طويل وجدل بين الثقات من أهل العلم. غير أن هذا المشكل أنيرت ظلماته بعض الشيء، بعد أن نشر «فلكن» (129) قرطاسا من البردي، كتب في العهد البطلمي. وهنا يتعين علينا أن نلتفت بداءة ذي بدء إلى هيكل مصري قديم بالقرب من «ممفيس»، عرف منذ ذلك العصر فصاعدا باسم «السرافيوم»؛ أي معبد «سرافيس» عند الإغريق، وهو على أربعة أميال من «ممفيس» غربي النيل، بالقرب من التلال القاحلة التي تحصر الوادي من تلك الجهة.
ولقد أظهر «فلكن» أن الفروض التي فرضت في أصل «السرافيوم» (130)، منذ عصر «ماريت »، ونقلت عنه من كاتب إلى كاتب، كلها أوهام؛ فإنه لم يوجد «سرافيوم» إغريقي منفصل عنه السرافيوم المصري، بل سرافيوم واحد هو عبارة عن مجموعة من المباني الضخمة، قائمة على المرتفع المشرف على الأرض المزروعة. وحذاء النهر تقع الأرض المزروعة، ومن بعدها وعلى ارتفاع قليل تمتد الصحراء ثم التلال وعلى طرف الصحراء. وبالقرب من الحقول كان يقوم معبد «لأنوبيس» (131) يحيط به فناء، وفي هذا الفناء كانت تقيم فيما بعد نقطة للشرطة، وفيها سجن متصل بها، ومكتب رسمي وأماكن يقيم بها ممثلو حاكم إقليم «ممفيت»، وكان يقيم فيه إذا زار «السرافيوم». وقد أقام أحد الحكام في إحدى الزيارات تحت حكم بطلميوس السادس يومين في هيكل أنوبيس، قضاهما لاهيا ساكرا. ومن هيكل «أنوبيس»، يمتد طريق مرصوف، تقوم على جانبيه تماثيل أبي الهول، فيخترق تلك الرقعة الصحراوية إلى «السرافيوم».
كان «السرافيوم» هيكلا متصلا بمحاريب خصصت لدفن ما يموت من عجول «أبيس» (132)، وكانت جثثها تدفن في أنفاق أو سراديب تحت الأرض. وكان العجل «أبيس» حال حياته يعيش في مكان يدعى «الأبيوم» (133) (نسبة إلى أبيس
Halaman tidak diketahui