ولبث حسن متفكرا دون أن تخونه ثقته بنفسه لحظة واحدة، كان قليل الثقة في محدثه، ولكنه لم يكن يائسا منه كل اليأس. كان يشعر في أعماقه بأن ثمة انتظارا طويلا لا يزال أمامه قبل أن تثبت الأرض القلقة تحت قدميه.
32
كانت الأم ونفيسة جالستين بالصالة، قانعتين من النور بما يشع من حجرة الإخوة حين زارتهما صديقتهما صاحبة البيت، ورحبا بها ترحيبا يليق بأياديها البيض على نفيسة، وجلست المرأة بينهما على الكنبة، وأبت حتى أن يضيئا مصباح الصالة. وجعلت هي والأم تتسليان بالحديث على حين ذهبت نفيسة إلى المطبخ لإعداد القهوة، وكانت الأم تنتظر دائما من وراء زيارة صديقتها عملا مريحا لنفيسة، وقل أن خيبت لها رجاء، لم يكن عقلها يخلو أبدا من هموم العيش، خاصة بعد أن استدار العام واقتربت العطلة المدرسية، وبات من المتوقع قريبا أن يضاف إلى واجباتها واجب جديد هو تغذية ابنيها بدلا من المدرسة، كانت تشكو إلى صاحبتها ما عانت من حياتها في الأشهر المنقضية والمرأة تواسيها وتشجعها، حتى عادت نفيسة بالقهوة. وأرادت المرأة أن تعلن عما دعاها إلى هذه الزيارة فقالت وهي تبتسم ابتسامة حلوة تنم عن طيبة قلبها: جئتك بعروس جديدة.
فضحكت نفيسة ضحكة سرور وقالت: يحق لي أن أطلق على نفسي خياطة العرائس! - أسأل الله أن تعدي ثياب عرسك بنفسك قريبا.
فتمتمت الأم قائلة: آمين.
وأمنت نفيسة على الدعاء بقلبها، على ما أثار في نفسها من قاتم الذكريات «متى يمكن أن أكون عروسا؟ ليس قبل أن يموت عم جابر سلمان، يا للسخرية! أمل كلفني نفسي وجسدي، هل يدور هذا لأمي في خلد؟ إنها تحسب أن هموم المعيشة أكبر الرزايا، يا لها من جاهلة بائسة!» وتساءلت الأم: من تكون الزبونة الجديدة؟ - العروس الجديدة هي كريمة عم جبران التوني البقال.
وتنبهت حواس نفيسة لهذا الاسم الذي لا يمكن أن تنساه، فدق قلبها بعنف وقالت متسائلة: دكانه عند تقاطع شارعي شبرا والوليد؟ - بالضبط.
وضحكت الأم قائلة: أصبحت جوالة يا نفيسة كشيخ الحارة.
فضحكت الفتاة ضحكة آلية وقالت لنفسها «هي دون غيرها.» هي الفتاة التي كان عم جابر سلمان يرغب في أن يزوجها لسلمان كما قال لها الفتى، فلتتزوج ولترفع عن صدرها كابوس ذكراه، وتساءلت الأم: وهل جبران التوني هذا غني؟ - على جانب من اليسار لا بأس به. - ومن العريس؟
فضحكت المرأة وقالت: إنه أقرب مما تصورين؛ هو سلمان ابن عم جابر سلمان البقال. - سلمان!
Halaman tidak diketahui