فقال حسين ساخرا: انقلبت الآية؛ فالمتبع أن يذهب آل الشاب لطلب يد الفتاة، ولكن في حالتك يجيء والد الفتاة لطلب يد الفتى!
فقال حسنين بنرفزة وحنق: يحق لك أن تسخر مني فلا خوف عليك. ترى ماذا يقال الآن في حجرة الاستقبال؟ ماذا تقول أمي؟!
فقال حسين في هدوء: عما قليل ستعلم بكل شيء! - أتظنها ترفض رجاء رجل كفريد أفندي؟ - من يدري؟ الذي أعلمه علم اليقين أننا سنخسر - في حالة الرفض - مرتبنا الشهري الذي لم نحلم به!
فرماه حسنين بطرف حائر ثم تساءل: إلام يطول هذا الانتظار الموجع!
وعادا إلى الصمت، وكانا قلبا المسألة على جميع وجوهها، وطال حديثهما عنها في أوقات متقطعة منذ أفضى حسنين إلى شقيقه بما كان من حديث بينه وبين فريد أفندي محمد. وقد رحب الرجل بطلب الشاب ترحيبا وقع من نفسه موقع الدهشة، فلم يكن ينتظره، ولم يكن ينتظر بعضه، ثم وعد بمخاطبة الأم وتذليل أية عقبة مهما تكن خطورتها! ولمح حسين - تفسيرا لهذا - إلى أزمة الزواج من ناحية، وطيبة فريد أفندي وحبه المأثور لأسرتهم من ناحية أخرى. ولم يبق الآن إلا أن ينتظرا النتيجة الوشيكة الظهور! وجعل قلق حسنين يتزايد بمرور الوقت؛ «بعد دقائق أعلم كل شيء، هل تكون بهية لي أو أدفن هذا الأمل الوليد؟ لا سبيل إليها إلا بهذا، إني أريدها ولا غنى لي عنها، ترى فيم تفكر هي في هذه اللحظة؟ ألا يتوزعها القلق على مصيرنا؟ إنها تحبني بلا ريب. حسبي هذا من الدنيا جميعا. تبا له! إنه يطالع في هدوء، ويستمتع بمراقبة المعركة من بعيد، لا حب ولا قلق، لشد ما تسومنا هذه العاطفة الطاغية من عناء! من قال إنها تقيم في القلب؟ الأرجح أنها تعشش في العقل؟! وهذا سر الجنون!» واستيقظ على صوت حسين وهو يقول: إنهما خارجان!
وأرهف حسنين السمع فبلغه ما يتبادل الرجل وزوجه وأمه من عبارات المجاملة المألوفة. ومضوا إلى الباب الخارجي، إلا نفيسة قد جاءت إلى باب الحجرة، ووقفت تنظر إلى أخيها بغرابة ثم قالت: يا ما تحت السواهي دواهي! أتريد حقا أن تتزوج؟!
وغمغم حسين: أول الغيث قطر!
وانتقل حسنين مدفوعا بغريزة الدفاع عن النفس من كرسيه إلى فراشه في أقصى الحجرة لصق النافذة التي حل ورق الصحف محل زجاجها المفقود. ثم سمعوا وقع أقدام الأم وهي قادمة، ودخلت تسير في خطى ثقيلة صلبة القسمات جامدة النظرة، وبحثت عيناها عن حسنين حتى استقرت عليه في آخر الحجرة، ولبثت تنظر إليه حينا ثم مضت إلى الكرسي الذي تركه وجلست عليه في شبه إعياء. وساد الصمت مليا فلم يجرؤ أحد على خرقه حتى نظرت المرأة إلى حسين وسألته في هدوء: ألا تدري فيم كان يحادثني فريد أفندي وزوجه؟
فارتبك الشاب الذي لم يكن يتوقع استجوابا، وظن أنه بالنسبة للمسألة كلها من المتفرجين، فلم يحر جوابا، حتى قالت له الأم بخشونة: أجب.
فتحول بصره صوب حسنين في حيرة واستغاثة، فاقتنعت الأم بهذا الحركة وسألته: متى علمت؟
Halaman tidak diketahui