القاهرة ، أغسطس سنة 1968 «ي. إ»
بصراحة غير مطلقة
(1) صباح الخير
حقيقة بسيطة ولكنها غريبة جدا في الوقت نفسه، قد لا تخطر لك أبدا وأنت تبتسم لمن حولك حين تصحو من النوم، وتقول: صباح الخير!
هذه التحية كانت مشكلتي طوال جزء كبير من الليلة الماضية. أول ما استرعى انتباهي أن تحية الإنجليز لبعضهم البعض في الصباح هي: جود مورننج، ومعناها صباح طيب أو صباح خير. قلت لنفسي: كيف تشابهت تحية الصباح عند الإنجليز في أقصى الشمال وعند العرب؟ نفس الكلمات بنفس المعاني: الصباح والخير. كيف حدث هذا؟ ومن منهم أخذ عن الآخر؟
غير أن تلك الأسئلة أسلمتني إلى مشكلة أخرى؛ إذ باستعراض تحية الصباح في كل اللغات التي أعرفها وجدتها متشابهة تشابها مذهلا محيرا، فهي بالفرنسية بونجور، وبالإيطالية بونجورنو، وبالألمانية جوتن مورجن، وهكذا ... وكلها معناها أيضا مثلما في العربية: صباح الخير. أليست مشكلة تدعو للحيرة والتأمل؟
الجنس البشري موزع على رقعة الكرة الأرضية كلها، تفصله عن بعضه البعض محيطات وأنهار وسلاسل جبال ومسافات مترية وزمنية شاسعة. وبسبب هذا الانفصال والتمزق نشأت عدة مجتمعات متفرقة ذات ألوان مختلفة متباينة، وتركيبات نفسية وخلقية مغايرة. لكل مجتمع منها لغته الخاصة وتقاليده وعاداته وحضارته. كيف حدث إذن أن تلك المجتمعات المختلفة حين أرادت أن تبتكر طريقة لتحية بعضها البعض في الصباح والمساء، اختارت نفس الكلمات ونفس المعاني؟
هل حدث هذا بالصدفة المحضة؟
مستحيل! فلو كان الأمر بالصدفة، لوجد هذا التشابه بين مجتمعين أو ثلاثة. ولكن التشابه في تحية الصباح موجود لدى كل المجتمعات، المتقدم منها والمتأخر، الأسود منها والأبيض والأحمر.
هل يكون التشابه قد حدث نتيجة للنقل أو التشرب. وتكون التحية مثلا قد تسربت من مصر القديمة إلى اليونان إلى أوربا، ومن بلاد العرب إلى بلاد الفرس؟
Halaman tidak diketahui