الرياضة دراسة - إذا ما بدأناها بأكثر أجزائها إلفا لنا - أمكن متابعتها في أحد اتجاهين متضادين، والاتجاه الذي نألفه أكثر من الآخر هو الاتجاه البنائي الذي ينحو بنا نحو تركيب يزداد تدريجا: فمن الأعداد البسيطة إلى الكسور، ثم إلى الأعداد الحقيقية فالأعداد المركبة، ومن الجمع والضرب إلى التفاضل والتكامل ، وهكذا نمضي في السير إلى الرياضيات العليا، وأما الاتجاه الثاني الذي لا نألفه بمثل ما نألف الاتجاه الأول، فيمضي مستعينا بالتحليل نحو ازدياد مطرد في التجريد والبساطة المنطقية، فبدل أن نسأل قائلين: ماذا يمكن تعريفه واستنباطه من المسلمات التي بدأنا بها، نسأل قائلين: ماذا عسانا واجدوه من أفكار أكثر تعميما يمكن بواسطتها أن نعرف، وأن نستنبط ما كنا قد اتخذناه نقطة ابتداء؟ هذا السير في الاتجاه المضاد، هو الذي يميز الفلسفة الرياضية إذا قورنت بالرياضة المعتادة، لكن ليكن مفهوما أن هذه التفرقة ليست بتفرقة في الموضوع [الذي تدرسه الرياضة وفلسفتها معا]، بل هي تفرقة في الحالة العقلية التي يصطنعها الباحث، إن علماء الهندسة من الإغريق الأولين، حين انتقلوا من القواعد العملية التي كان يستخدمها المصريون في مساحة الأرض، إلى القضايا العامة التي يمكن بها تفسير تلك القواعد، ومن ثم انتقلوا إلى بديهيات إقليدس ومصادراته، كانوا بهذا ينتقلون في مجال الفلسفة الرياضية حسب التعريف الذي أسلفناه، حتى إذا ما بلغوا في سيرهم مرحلة البديهيات والمصادرات، كان استخدامهم لها في العمليات الاستنباطية - كالذي نراه عند إقليدس - من اختصاص الرياضة بمعناها المألوف، إن التفرقة بين الرياضة والفلسفة الرياضية إنما تعتمد على نوع الاهتمام الذي يحفز الباحث، وعلى المرحلة التي يكون البحث قد بلغها، لا على القضايا التي هي موضوع البحث نفسه.
مدخل إلى الفلسفة الرياضية، ص1-2
MATHEMATICS AND MATHEMATICAL
Mathematics is a study which, when we start from the most familiar portions, may be pursued in either of two opposite directions. The more familiar direction is constructive; towards gradually increasing complexity: from integers to fractions, real numbers, complex numbers; from addition and multiplication to differentiation and integration, and on to higher mathematics. The other direction, which is less familiar, proceeds, by analysing, to greater and greater abstractness and logical simplicity; instead of asking what can be defined and deduced from what is assumed to begin with, we ask instead what more general ideas and principles can be found, in terms of which what was our starting-point can be defined or deduced. It is the fact of pursuing this opposite direction that characterises Mathematical philosophy as opposed to ordinary mathematics. But it should be understood that the distinction is one, not in the subject matter, but in the state of mind of the investigator. Early Greek geometers, passing from the empirical rules of Egyptian land-surveying to the general propositions by which those rules were found to be justifiable, and thence to Euclid’s axioms and postulates, were engaged in mathematical philosophy, according to the above definition; but when once the axioms and postulates have been reached, their deductive employment, as we find it in Euclid, belonged to mathematics in the ordinary sense. The distinction between mathematics and mathematical philosophy is one which depends upon the interest inspiring the research, and upon the stage which the research has reached; not upon propositions with which the research is concerned.
Introduction to Mathematical Philosophy. pp. 1-2
النص الثاني: تعريف العدد
هبنا قد وضعنا كل الأزواج في حزمة، وكل الثالوثات في أخرى، وهكذا؛ فبهذه الطريقة نحصل على حزمات مختلفة من مجموعات، كل حزمة منها تتألف من كل المجموعات التي لها عدد معين من الحدود، وبهذا تكون كل حزمة فئة أعضاؤها هي هذه المجموعات، أي أعضاؤها هي فئات، وإذن فكل حزمة تكون فئة من فئات، فالحزمة المؤلفة من جميع الأزواج - مثلا - فئة من فئات؛ إذ كل زوج منها فئة ذات عضوين، والحزمة كلها المؤلفة من أزواج هي فئة قوامها عدد لا نهاية له من أعضاء، كل عضو منها فئة ذات عضوين.
فكيف يمكننا الجزم بأن مجموعتين تنتميان إلى حزمة بعينها؟ الجواب الذي يبرز نفسه أمامنا هو هذا: «انظر كم عضوا تحتوي عليه كل مجموعة، وضع المجموعتين في حزمة واحدة إذا كانت كل منهما محتوية على نفس العدد الذي تحتوي عليه المجموعة الأخرى»، لكن هذا الجواب فيه افتراض سابق بأننا قد فرغنا من تعريف العدد، وأننا نعرف كيف نعلم عدد الحدود التي تتألف منها كل مجموعة، فلقد ألفنا عملية العد إلفا قد يجعل مثلا هذا الافتراض السابق يفلت منا فلا نلاحظه، ومع ذلك فالواقع هو أن العد - رغم إلفنا له - عملية غاية في التركيب من الوجهة المنطقية، فضلا عن أنه لا يجدي - باعتباره وسيلة للكشف عن عدد الحدود التي تحتوي عليها مجموعة ما - إلا إذا كانت تلك المجموعة نهائية العدد، غير أن تعريفنا للعدد لا يجوز أن يفترض مقدما بأن كل الأعداد نهائية، وعلى كل حال فنحن لا نستطيع - بغير الدوران في حلقة مفرغة - أن نستخدم العد في تعريف الأعداد؛ لأن الأعداد هي التي نستخدمها في العد، وعلى ذلك فلا غنى لنا عن طريقة أخرى نقرر بها متى يكون لمجموعتين نفس العدد من الحدود ...
ولما كانت فكرة التشابه هي من الوجهة المنطقية مفروضة مقدما في عملية العد، وهي من الوجهة المنطقية كذلك أبسط من العد، وإن تكن أقل إلفا لنا ... ففي مقدورنا - إذن - أن نستخدم فكرة «التشابه عند الحكم على مجموعتين بأنهما ينتميان إلى حزمة بعينها».
المدخل إلى الفلسفة الرياضية، ص14-17
Halaman tidak diketahui