واستدارت الجاموسة ناحيته، ورمقته في بلادة وكسل ثم عادت تعسعس بشفتيها وأسنانها على الحشيش.
وحين دخل بلده، كان يصيح، سواء سأله أحد أم لم يسأله، قابل شخصا أم لم يقابل، يقولها هكذا للزرع وللحيطان، وللحر أو للسما وللأوز وللجنيه وربع، وللأربعة أشهر والأربعة أولاد والولية، وللبهيمة التي ماتت، وللبقرة التي يسحبها، وللشيخ منصور، ولنفسه، وللدنيا كلها: بالذمة والأمانة والديانة وبكل كتاب أنزل، بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار.
هي1
- هووه.
مبكرا وقبل يقظتي التامة جاءني الصوت منخفضا قويا فيه همس (الفانفار) اقشعر جسدي، قلت: هوووه.
عاد يقول: قوم، عندك ميعاد في العتبة.
استيقظت تماما، نسيت الشاي، غادرت البيت، أصبحت في العتبة، عندك ميعاد في العتبة، أين؟ لا جواب، متى؟ لا جواب، مع من؟ لا أعرف، انتصف النهار، بدأ القيظ، ضوء الشمس اشتد وكأنما شحنت بطارياتها إلى آخرها، كثر الذباب، تزاحم الناس أكثر وعزلتهم وضحت، عندك ميعاد في العتبة، أنا في العتبة، القلب القديم لقاهرة قديمة، قاهرة واحدة كان لها قلب واحد، اليوم بمائة قلب، بلا قلب، الميعاد في العتبة، كيف أطيع الصوت وأنا العلمي الذي لا يؤمن بالدجل، حاولت العودة ، فشلت، أصبحت، لا أعرف كيف، مقيدا حبيس الميدان وحولي سور خفي مكهرب لا أستطيع اجتيازه، الميعاد متى ومع من ولماذا؟ لا أعرف، الميعاد في العتبة.
مر أسبوع وأنا سجين القهوة واللوكاندة والميدان، حدودي فتحات شوارع محمد علي والعباسية ومسرح الأوزبكية والمطافي، البنايات القديمة حراسي، الناس، النظرات أجنحة الذباب، مقيدة مثلي بقوة قاهرة، كل شيء قديم تهب منه رائحة الزمن كجو مقبرة تفتح بعد مائة عام، الميدان يضيق، خطواتي فيه تتحدد أكثر، لم يعد باستطاعتي إلا أن ألف حول عربة الترام الثابتة في الميدان، في نهاية اليوم العاشر لم أعد أستطيع التحرك، شدت قدماي بطريقة حاسمة ومجهولة إلى جوار العربة، ظللت في مكاني يومين بلا نوم أو طعام، في الضحى، وفي موكب، أقبلت عربة «بويك» زرقاء من آخر موديل حلياتها النيكل مصنوعة من ذهب، العيون والأفواه المفتوحة حولها وتتبعها، قائدها كالسائقين لدى العائلات الكبيرة يرتدي معطفا أبيض وقفازا أبيض وقبعة ذات حافة، توقف أمامي وقال: اركب.
لمحت خيبة الأمل في كل العيون المعششة حولنا وكأن كلا منهم كان يتوقع نفس الدعوة. - أنا؟ - أيوه أنت. - متأكد؟! - أنت مش عند ميعاد في العتبة، اركب.
أأركب؟
Halaman tidak diketahui