باب المصعد يغلق، من أسفل يسحب، لا بد أن أحدا في القاع ينتظر، لا يهمك أرح جسدك، اتكئ علي ولا يهمك، ما أكثر ما اتكأت أنا عليك، ما أكثر ما حملتني وأنا صاح ومدعي النوم فقط كي تحملني، كي أحس أني على كتفك أنت أستقر وأن ذراعك هي التي تحوطني وأني أشعر بالأمان، أحلى وأعذب وأمتع أمان، اتكئ ولا تخف، ولينظر لنا الداخلون إلى المصعد بريبة، وليظنوا بك أو بي الظنون، إنها أول مرة نراهم فيها وآخر مرة، البواب سهل أمره، بيدي وبالنصف ريال يا عم عبد الله افتح العربة، ها هو يجري ويسبقنا، ها هو يساعدني في إراحتك على المقعد، الآن استرح واجلس، ضع ساقا فوق ساق كما يريحك دائما أن تفعل، اشك من ضيق عربتي الصغيرة ومن طول ساقيك، فلكم أحب دائما أن أبتسم لك وأسمع، المارش والفتيس والأول، العربة تنطلق، الثاني، غادرنا الشارع، الثالث نلف حول الميدان، وحدنا أنت وأنا والعربة تستقيم وتنطلق، لقد نجحنا، بضربة حظ جبارة نجحنا، والعربة ها هي بنا أخيرا، ووحدنا، تنطلق.
تعرف أنها ليست المرة الأولى التي أجلسك في عربتي وأسوق أنا، ليست الأولى التي ننفرد فيها معا، ولكنك لا تعرف أني هذه المرة أحس بحق أني لأول مرة ربما أكون معك، بكل كياني معك، ولك، بكل كيانك لي ومعي، الآن لا شريك لك في ولا شريك لي فيك، أنت لي تماما كما أنا لك، والأجمل أننا، تصور، سنظل هكذا إلى الأبد.
الشوارع مزدحمة، الناس محيط، العربة جزيرتنا، العيون تنصب، كزواحف ديناصورية رهيبة تقتحم الجزيرة، تملؤها، تغرقنا، تلتهمنا، يا سيدة، يا عانس، انظري أمامك، ألم تري أبدا شابا يسوق وبجواره رجل يرتدي بدلة كحلية ورباط عنق محمرا، أأعجوبة هي؟! أظاهرة؟!
يا خسارة، الإشارة أغلقت، النور احمر، الحمرة طالت، امتدت، أصبحت زمنا، الزمن يحمر ويتوهج، الزمن يحترق، أشم رائحته، رائحة جلد آدمي يحترق، جلدي أنا، الأصفر يومض، الحريق يلتئم، الأخضر، السهم المنطلق الأخضر، النور المخضر يمتد، يصبح مساحات، زرعا ونباتا وأشجارا، النور يحيا، يتجسد، يزهر، الأصفر، اللاأحمر، الأصفر قمح، القمح يتماوج، الموج يعلو، قمم الأشجار تتمايل، رأسك أيضا يتمايل، أنت موافق إذن، أنا سعيد، أحسب أنك تهورت الآن مثلي أو أنا تعقلت مثلك، صغرت أنت أم كبرت أنا لا أعرف، ما أعرفه أن كل ما أردته فيك وأردت أن أكونه، ها أنا ذا الآن فيه، كل ما كرهته لم أعد أكرهه، كل ما كان لا يعجبك في قد أصبح، بمعجزة، يعجبك، تريد أن أكون أنت، وأريد أن تكون أنا، تطابقنا، وها نحن نطير، وبالعربة وبك أطير، ألامس الأرض وأطير، أتلوى جذلا وأسوق، أنت لا تعرف كيف تسوق، أنت من جيل القطار، القطار الذي لا خيار فيه، لا تختار إلا عبوديتك، أنا من جيل العربة، الحرية عربة، الرأي عربة، وحدك تحدد متى وأين، وحدك تعدل، تمضي، تلف، تدور، النهاية في يدك لحظة تريد. - قف.
لا بد أن نقف، نحن في طريقنا إلى خارج المدينة، وهنا تفتيش، نعم يا سيدي، البطاقات، هذه بطاقتي، وهذه رخصة قيادتي، من هذا؟ أين بطاقته؟ أنا بطاقته، ألا ترى أنفي من أنفه، حواجبي لها استدارة حواجبه، عرقي حتى له طعم عرقه، شكرا يا سيدي العسكري، شكرا، جميل شاربك والله العظيم جميل.
لننطلق، وقد أصبحت بطاقتك، أحبك وأنا مسئول عنك، نفس حبي لك وأنت في طريقك إلى النوم، وأنت في طريقك إلى اليقظة، وأنت تجاهد لترفع صوتك المغلوش بآثار النوم وتطلب الشاي، أحبك عائدا من العمل، متعبا، نخلع عنك الحذاء والجورب، ونضمخ أنوفنا الصغيرة برائحة أقدامك ، ونفصل أصابعك الملتصقة تعبا ووقوفا عن بعضها البعض، وأتولى أنا توزيعها على إخوتي وأختص نفسي بالأصبع الأكبر.
ولكن ألذ من الذكرى الحاضر، وألذ من الحاضر أننا كالسهم ننطلق، طبعا أنت لا تريد أن تعرف إلى أين، متعتك الكبرى مثل متعتي أن تفاجأ، أنك لا تعرف، المعرفة قيد، طبعا في رأيك المعرفة قيد، المعرفة وصول، وأنت وأنا لا نريد أن نصل، أنا شخصيا باستمرار أريد أن أبدأ، حتى نهايتي، أريدها بداية، فأنا لا أحب النهاية، النهاية سخف وضيق أفق، ما أروع أن نبدأ دائما، وأن نبدأ بأن نبدأ، وأن تكون البداية بداية لبداية أجد وأمتع.
رجل بوليس آخر يقترب، كشك، أنا لا أخاف شيئا ما دمت معي، أنت الوحيد في الدنيا الذي كنت أخافه، كنت دائما هناك في بيتنا، تربطني، تشدني، أنى أذهب، ألف وأعود وكان لي في بيتنا جذر، الآن جذري معي. أنا النبات الذي تحرر وانطلق، رجل البوليس يشير، بيده كالسيمافور الأبيض والأسود تشير، لم أضق قبلا برجال البوليس مثل ما أضيق بهم الآن، لماذا هم كثيرون؟ لماذا دائما يقطعون الطريق، أفندم، الرقم والرخصة والبطاقة، أفندم؟! لماذا تمد أنفك في العربة وتتشمم؟ وتبلغ بك الجرأة أن تسأل؟ لا يا سيدي، لا أشم رائحة، لا رائحة هناك، أين هي الرائحة؟
وداعا يا سيدي يا ذا الأنف الطويل وداعا.
بالطبع هو لا يفهم، كيف يسمي رائحتك رائحة؟ هو لا يعرفها، لا يدرك انتماءها إليه مثلما أدرك وأحس أنا، تطابقنا تماما أيها العزيز حتى أصبحت رائحتك نفسها هي رائحتي.
Halaman tidak diketahui