186

ضحكت: أين هو هذا التوسع العربي؟ هناك فقط نهضة قومية تستوعب كل الأديان، بل إن بعض رواد هذه النهضة مسيحيون كما تعرف. - هؤلاء عرب، أما نحن ففينيقيون.

نظرت إليه غير مصدق: هل تتكلم جادا؟ مرة أخرى أقول لك: سواء كنتم فينيقيين أم عربا، فهذا لن يغير من واقع الخطر المشترك الذي يتعرض له كل اللبنانيين والسوريين والعراقيين والمصريين والإيرانيين ... إلخ.

أطفأ سيجارته في المنفضة المسلحة، وأشعل واحدة جديدة.

قال: ما رأيك إذن في الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في مصر؟

تباطأت في الرد وأنا أفكر في الإجابة المناسبة. ابتسم ابتسامة المنتصر وقال: أرأيت؟

أسرعت أقول: لن أدعي أنه ليس هناك تمييز، لكنه لا يرقى إلى مرتبة الاضطهاد. كما أن جانبا منه مصطنع. والجانب الآخر من مخلفات الماضي. ومتى أخذنا بعلمانية الدولة قضينا على كل أثر له. - الذي أراه في مصر هو عكس ذلك تماما. إنه اضطهاد عميق وتاريخي. وهو أيضا في ازدياد. - هذا هو ما قصدت إليه عندما قلت إن جانبا من التمييز القائم مصطنع. وهو الذي تمارسه وتدعو له الجماعات الإسلامية. لقد سمعت بأذني أحد هؤلاء المتعصبين يقول إن البابا شنودة أخطر على مصر من بيجين. وهو في ذلك يتفق معكم تماما؛ فأنتم تتحالفون مع إسرائيل ضد أبناء وطنكم.

هز كتفه وقال: لا يلام الغريق إذا استنجد بالشيطان؟ - وما أدارك أنه سينجدك حقا؟ وأنه لن ينتهز الفرصة ليلتهمك؟

ضحك هازئا: يلتهم جثة استنزفها الغرباء ؟ - تقصد الفلسطينيين؟ وجودهم في لبنان هو الذي يحميكم من الإسرائيليين. - لا أحد يحمي لبنان من شيء. ضعفنا وحيادنا هو سلاحنا؛ فطالما أننا لا نعادي غيرنا أو نتهدده، لن يتعرض لنا أحد بالأذى. - أتظن ذلك حقا؟

ظهرت بقعتان حمراوان على وجنتيه، لكنه ظل متمسكا بهدوئه الظاهري.

قال: ما يهمني هو اعترافك بالاضطهاد الواقع على المسيحيين في مصر. ويسرني أننا متفقون في هذه النقطة.

Halaman tidak diketahui