لم أتبين شيئا مما كان يقوله في التليفون؛ لأنه كان يتكلم بالفرنسية في صوت خافت. وجهت اهتمامي إلى قطعة من القماش علقت على الجدار فوق رأسه، وطرزت بها شجرة أرز ملونة. وعلى جدار آخر استقرت لوحة من الورق سطر عليها بالعربية، وبمادة كماء الذهب: «خزائن العلم في العالم كنوزها من لبنان. لغات الأمم أجمل حروفها من لبنان. غرائب الدنيا السبع أسطورتها الكبرى لبنان. شجرة الخلود انتقت لسكناها السرمدي قمة من لبنان. طفل الألوهة تعمد في ماء من لبنان. أترى آدم، هل هجر الجنة إلا كرمى لك يا لبنان؟»
انتهى الشاب من حديثه التليفوني، فأعاد السماعة إلى مكانها، وظل برهة يتطلع إلى شاشة التليفزيون، ثم مد يده وأغلق الجهاز. وجه اهتمامه إلى عدة أوراق أمامه تعرفت بينها على محتويات جيوبي، فقلب بينها بأصابع قصيرة سمينة ذات أظفار طويلة مصقولة.
خاطبني دون أن يحول عينيه عما في يده: لا أجد إشارة هنا إلى مذهبك.
قلت: لا أفهم ما تعني؟
قال: ديانتك، ما هي؟
رفع عينيه إلي لأول مرة، فطالعتني دائرتان صفراوان باردتان في وجه منتفخ ذي بشرة مدهنة.
قلت: ألا تعرفني أولا بنفسك، وتقول لي لماذا أنا هنا؟
ظهر شبح ابتسامة ساخرة على شفتيه وقال: ألم تعرف بعد؟
قلت: يمكنني أن أخمن أين أنا، لكني لا أعرف السبب في اختطافي.
أشعل سيجارة فرنسية ببطء وقال: ستعرف هذا بعد أن تذكر لي أولا ماذا تفعل في بيروت، وأين تسكن. أنت تقيم في الغربية. أليس كذلك؟
Halaman tidak diketahui