Beirut Menangis Malam
بيروت البكاء ليلا
Genre-genre
كانت القاعة الفسيحة الفسيفسائية غارقة في الضوء القوي الساطع، بما ييسر الأمر على كاميرات التليفزيونات ومصوري الصحف، وبخاصة الصحفيون الذين انتشروا من حول الوفود والمنصة الرئيسية والرئاسية، كمثل زنابير داخل خلايا نحل.
وحين دارت أكواب عصير الليمون والبرتقال والمانجو، تذكر ما حدث رغم أنه كان لحظتها مستغرقا بكامله في تتبع الندوة الدولية «ثقافة القرية والمدينة في الشرق الأوسط»، وتمنى جاهدا طرد ما حدث، كما تمنى ألا يصيبه الدور في يوم كهذا تجيء حصته فيه من الكلام ... المحاضرة.
قال: الأمر لا يعنيني بالدرجة الكافية، العدو المتلاحق الذي تحول بالفعل عصرية يوم أمس إلى حد المطاردة، الحصار على تلال عمان، تجبر الأخت الصغرى مع مطلع هذا النهار الذي يبدو أنه لن ينتهي بشكل مباشر على خير، يتيح العبور بعده في هذا الجسد ليوم جديد، أين؟ ها هو الرئيس والرئيسة يفتتحان الندوة الدولية، ويبدو مما حدث أن الأمر لن يطول، ليلقي بدلوه، فعليه أن يسترجع الموتى قبل الأحياء، قريتهم وتخومها ما حول بحيرة قارون، قرى الجبل المحيطة هذه التي لا يمكن لأي محاضر أن يتلمسها من شرفات السمرلاند، ممددة تحت شمس هذا اليوم الربيعي رغم ضراوة الحرب الأهلية.
تفرس بعض الوجوه من عرب وأجانب، يضعون سماعات الترجمة الفورية على آذانهم وهم منصتون للكلمة الافتتاحية للإحاطة بالموضوع.
ذلك الماضي الحي، ضيعة الفتاتين وفردوسهم المفتقد، الهدف الأخير للعالم من قديم غابر، لمعاصر ماثل متواجد.
انتهى كلام الرئيس، ومن جديد دوت القاعة بالتصفيق، الجميع آلفهم التصفيق الحاد فيما عداه، بما أتاح للرئيس ونائبته وبعض الحضور ملاحظته في حرجه ذاك، وهو يعاود الانكباب على البرنامج الشامل للكلمات والمحاضرات والاطراحات والمناقشات.
دارت عدسات التليفزيون فاعتدل مستبشرا، بعض البروفيسورات والباحثين عندهم «دسك»، أمراض مكاتب عصرية، تصيب البروفيسور منهم في قفاه أو سلسلة ظهره الفقرية، وبعضهم رمد صديدي، والبعض ارتعاشات، وعمى ألوان وقلب، ونقرس.
أما الاكتئاب فيستبد بالأغلبية العظمى مثله، لعله حالة التحسر، حاول طردها من مخيلته حين غزته على مشارف تلال عمان، قال لنفسه محذرا وهو يصلح أو يدون بعض الملاحظات على مرأى من الجميع: غير معقول بحال، هنا وعلى مرأى من الجميع، خاصة أولئك الحاقدين المتربصين، هذا الحصار بالعيون والكاميرات. ليت الأمر يقصر أو يطول وينفض السامر الذي غاب عنه صاحبه، القرية والمدينة، ما الفرق في الشرق الأوسط، في عمان ودمشق والطائف وصهرجت الكبرى والكعاي والدامور والقاهرة وصنعاء ودير مواس؟ ما الفرق في هذا الشرق الأوسط؟
وحتى لو جاءت الطوبة في المعطوبة، وحدث الفرق، لن يصل الأمر إلى حد يدعو إلى الانزعاج، ذلك الذي يغمر الشارع ويطفح على طول الشرق الأوسط. وهنا الفرق حين يمكن طرح القضية من منطلق زمني بأكثر منه مكاني فراغي، طفح الماضي، وإغراق الحاضر العربي الماثل على اعتبار أن «الماضي يفسر الحاضر » إن لم يغرقه، عاليه قبل واطئه.
أجل أيها السادة، فالمدينة في الشرق الأوسط ما هي سوى صورة متطورة إن لم تكن معدلة من القرية والنجع والبادية، هكذا الحال مع عمان وبيروت وقرطاج وطرابلس والقاهرة.
Halaman tidak diketahui