Antara Pasang dan Surut: Halaman Bahasa, Kesusastraan, Seni, dan Peradaban
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Genre-genre
أما ما ذكرته عن الصحف الأجنبية فأستأذنك بألا نتباحث فيه، لتلك الصحف شأنها في التفاهم مع جمهورها وإرضاء بيئتها، إننا بعيدون عنها، ولأغراضها ودخائلها جاهلون. أنت تعرف منها بالاختبار بعض أساليبها، أما أنا فأجهلها تماما، فإذا حدثت عنها كنت دعية متطفلة. وعلى كل، فليس كل سار في الغرب جديرا بالاقتباس في الشرق دون مراعاة الحاجة المباشرة.
وإنما أسألك: كيف يمكنني، أنا الجمهور أن أطلع على حركة التأليف والترجمة في البلاد، في مختلف الموضوعات الفلسفية والعلمية والاجتماعية والتمثيلية والأدبية ... إلخ؟ كيف يمكنني أن أعلم بصدور ما يهمني من الكتب؛ سواء كان اهتمامي بها اضطرارا للعمل وكسب الرزق، أم للفائدة الفكرية، أم للتفكهة وإرضاء للرغبة؟ إن رسائل الأخبار الكبرى هي الصحف السيارة، وكل الغاية منها إيصال الأخبار إلى الجمهور وإطلاعه على ما يجري في بيئته وفي العالم من الشئون والحوادث. فإن لم تنقل لي تلك الصحف ما وجدت لنقله ونقل نظائره، فمن ذا يكون الرسول بين المؤلف الذي كتب للجمهور، وبيني أنا الجمهور الذي أتطلع إلى ما ينشر لي مؤلفي؟!
تعلم الصحف الغاية من وجودها والسر من نشرها؛ فتراها تذيع أمثال الأخبار التالية:
تشاجرت زينب بنت علي في الخرنفش مع جارتها المدعوة حنيفة بنت أحمد السقا، فتضاربتا وجرحت إحداهما الأخرى جرحا طفيفا في يدها تقتضي معالجته يومين كاملين.» أو «سطا اللصوص ليلا على عزبة «ما أدري إيه»؛ فاستيقظ بعض الأهالي ففر اللصوص ولم يوقف لهم على أثر ... إلخ إلخ.»
فأكرم علينا يا أفندم، دام فضلك، برأيك في نشر أمثال هذه الغرر؟
قد يكون من واجب الصحافي أن يفسح صحيفته لما هو أتفه من هذا، فكيف بالوقائع الفكرية والأدبية التي هي من أصدق مقاييس تطور الأمة؟
أقول: إذن إن الصحافي يتحتم عليه - وليس له في ذلك الخيار - يتحتم عليه أن يذكر في صحيفته كل كتاب يرسل إليه، أما الركون إلى الإغضاء فإجحاف في حقوق المؤلف، إجحاف في حقوق القارئ، إجحاف في حقوق الجمهور الذي له أن يطلع على قوائم ما تنتجه أفراده ، وإجحاف في حقوق الصحافة ذاتها التي هي بذلك السكوت تسجل على نفسها القصور وعدم المبالاة بما لا يجوز إغفاله.
أفهم، وأعلم بالاختبار، أن النقد عمل شاق دقيق يستغرق وقتا طويلا ويتطلب معرفة واسعة، وذوقا مهذبا، وبصيرة شفافة، وإحساسا حيا يفهم العدل كما يفهم الجمال وكما يفهم أنظمة الحياة؛ فهو لذلك غير ميسور لكل من ادعى حمل لوائه. والصحف في شاغل لانهماكها بالمشاكل السياسية والقومية، فلا أقل من أن يؤدوا هذا الواجب، وبأن يذكروا باختصار اسم كل كتاب يهدى إليهم بلا تحيز ولا استثناء، مع اسم مؤلفه وموضوعه وثمنه والمكتبة التي يباع فيها، حتى إذا شعر كاتب أو قارئ باندفاع خاص في سبيل الكتاب كتب ما شاء في نقده أو تمحيصه أو معارضته أو تحبيذه.
الصحافة سجل الوقائع اليومية والمرآة التي ينعكس عليها من نفسية البيئة الصورة المتتابعة التولد، فأي الوقائع وأي الصور تفضل ثمرات المطابع ونتاج الأذهان والقلوب؟ بل يوم تقومون، أيها المفكرون، تزنون كفاءة الأمة وتحصون خطاها في سيرها إلى الأمام، فهل لكم من وثيقة أصدق من الكتاب والفن والمتحف؟ كلا! وذاك ما تهملون!
والآن وقد فرغت من الخصومة التي يحسبها سادتنا الرجال عنصرا ملازما للمزاج النسوي، أعود ضاحكة من قلمي الذي تمتع لحظة باستقلاله التام، وقام يناطح صخرة الصحافة المنيعة - أستغفر الله! عنيت صرح الصحافة المنيع. (2) «الرأي العام» المصري في عهد محمد علي باشا
Halaman tidak diketahui