وجاء الصباح، واستيقظت بقلب بارد كأنه بات طول الليل محفوظا في ثلاجة. كنت حزينا قبل أن أنام، ويبدو أن عواطفنا لا تنام معنا، إنها تظل مستيقظة في أعماقنا تجتر آخر إحساس مارسناه وتعمل على مهل وبهدوء فنصحو على طعم الإحساس البائت في فمنا.
ولمجرد أني كنت قد قررت هذا في الليل، كان الصباح لا معنى له بالمرة. بدا لي كل شيء باردا كئيبا، الحجرة والفراش وصوت الخادم الذي كان يعمل في الصباح في البيت وبعد الظهر في العيادة وهو يسألني ماذا أفطر؟ وكنت جوعان ، ولكني حين رحت أستعرض ما يمكنني تناوله وجدت أني لا أريد أي طعام في العالم. كل الأطعمة سواء، وكلها لا أريدها الآن.
وقمت وجلست إلى المكتب وقرأت الجرائد، وبدا لي كل ما فيها من أخبار وكأنه يتحدث عن عالم آخر لا أمت إليه ولا يهمني أمره.
كان مفروضا أن تحضر سانتي بعد ظهر ذلك اليوم كالعادة، وكان مفروضا أن أنهي في تلك المقابلة كل ما بيننا، أو على الأقل إن لم أستطع هذا مباشرة فعلي أن أغادر البيت حتى لا تجدني هناك حين تجيء، وكنا لا نزال في الصباح وباق على مجيئها ساعات وساعات. وكان من الممكن أن يظل الصراع قائما في نفسي إلى ما قبل مجيئها بساعة مثلا أو بساعتين، ولكن الذي حدث أني كنت قد أدركت - منذ ساعات الصباح الأولى - أنني لا يمكنني بأية حال من الأحوال، ليس فقط أن أقطع علاقتي بها، ولكن لا يمكنني حتى أن أتهرب من مقابلتها في ذلك اليوم. بدا لي شيء كهذا مستحيلا كل الاستحالة.
وببساطة خطر لي ذلك الخاطر: ما دمت لا تستطيع قطع علاقتك الحالية، فلماذا لا أفعل معها شيئا يقطع علاقتنا؟ لماذا لا أحاول أن أنالها؟ وأنالها فعلا؛ ففي تلك الحالة سأحس أني انتصرت وأني استحوذت عليها تماما، ويمكنني حينئذ أن أقطع علاقتي بها. أما قبل هذا فمستحيل مستحيل.
حسن إذن! علي أن أهيئ نفسي لكي أنالها. أما ماذا بعد تهيئة نفسي فأمر أتركه للظروف وللمقابلة الهامة التي ستحدث قبل انتهاء اليوم.
وإلى أن تحين المقابلة رحت أتصور نفسي وأنا أحقق حلمي بنوالها. وأغرب شيء أني لم أستطع هذا أبدا. كنت أتصورني جالسا معها مثلا أتحدث إليها، أضحك معها، أقترب منها، أقبلها ... أما أن أتصور نفسي نائما معها في فراش واحد فذلك أمر لم أستطعه. وحين تكرر هذا في خيالي بدأت أفطن إلى الحقيقة الغريبة المذهلة التي لم أكن قد فطنت بعد إليها. حتى في الخيال لا أستطيع أن أتصور نفسي في وضع جسدي معها. كيف هذا؟ كنت أثور على نفسي وأعاندها وأروح مرة أخرى أتصورها وأبدأ بالكلام معها لكي أنتهي بالفراش، ويمضي كل شيء على ما يرام حتى نصل إلى الفراش، وحينئذ يجمح بي عقلي بالقوة ويأبى المضي وكأنني سأتصور نفسي نائما مع إحدى المحرمات علي، مع أمي مثلا أو أختي أو عمتي.
وازداد عجبي، وقلت لعل حالتي النفسية هي السبب. ولكنني حين جربت نساء أخريات، حين جربت الحيلة مع لورا أو جارتنا أو أي إنسانة أخرى كان الخيال يمضي بي إلى حيث أشاء دون تردد أو جموح. بل كنت أجد لذة في تتبع خيالي، لذة غريبة، لذة الخلسة. ولكن حين كنت أقترب من سانتي وأتصورها معي كان كياني كله يتغير، فتختفي الرغبة العارمة من جسدي وتهدأ حواسي الفائرة، وإذا أمعنت في الخيال توقف بي الخيال نفسه وأبى أن يمضي.
والذي روعني أن كل هذا كان حقيقة صماء لا مبالغة فيها ولا تهويل، ولا حيلة لك معها.
وحين أجهدت نفسي مرات ومرات وفشلت، رفضت - حتى بيني وبين نفسي - أن ألقي اهتماما كبيرا للأمر، وقلت لعل هذا يحدث لأنها الوحيدة التي أحبها، ولعلني لهذا لا أجرؤ عليها، أو ربما لأني لم أتعود أن أنظر إلى سانتي نظرة جنسية. كنت دائما مشغولا بإخضاعها هي، بإخضاع روحها، ما هو أقوى من الجسد فيها، شخصيتها، ولم أنظر لها أبدا على أنها امرأة عادية، مجرد امرأة عادية لها جسد وصدر وشفاه.
Halaman tidak diketahui